عندما تتجاهل السّلطة السياسيّة الخطاب التحريضيّ ضدّ فئةٍ معيّنةٍ من المواطنين، لأسبابٍ انتخابيّةٍ أو أيديولوجيّةٍ، يتحوّل خطاب الكراهية إلى واقعٍ مؤسفٍ. وهذا ما حدث مؤخّرًا مع المطران مار ماري عمانوئيل في أستراليا التي شهدت على نحوٍ غير مسبوقٍ تصاعد خطاب كراهية ضدّ اليهود، وكذلك المسيحيّين، منذ ٧ أكتوبر. فقد صدعت في شوارع سيدني نداءات تدعو إلى قتل اليهود بالغاز "gas the Jews" (إشارة إلى غرف الغاز التي استخدمها النازيّون لقتل اليهود أثناء المحرقة)، كما انتشرت مقاطع لبعض المشايخ المتطرّفين يمجّدون قتل الأبرياء ويدعون إلى حرب دينيّةٍ واسعةٍ.
إنّ جموح المتشدّدين الإسلاميّين يقابله جهل أو تقاعس السلطات الحاكمة، وفي هذه الحالة تقاعس حكومة أنتوني ألبانيزي التي لاحقتها تهم الإهمال والاستغلال السياسيّ للتّطرّف الإسلاميّ لأغراضٍ انتخابيّةٍ. بينما استفادت الحلقات الأصوليّة وتوابعها من التّسامح المفرط للسّلطة الأسترالية لمضاعفة هذا الخطاب، وقد صحبه الخطاب المؤمراتيّ الذي يربط التّحريض على اليهود بالتّحريض على المسيحيّين (أو الصّليبيين كما يسمّيهم التنظير السياسيّ الإسلامويّ). وفي هذا الإطار يتوضّح لنا الاعتداء على المطران ماري الذي يُعرف بمواعظه المسيحيّة الإيمانيّة العاطفيّة. ولكن أليس لدى السلطة السياسية في أستراليا مسؤولية في ما حدث (أو قد يحدث)؟ هل يمكننا معاقبة النتيجة من دون التعرّض للأسباب؟ لماذا تتغافل السلطات في العالم المسيحيّ (أو الغربيّ/ما بعد المسيحيّ) عن الخطر الإسلاميّ المتشدّد، ولا تعامله معاملة النازيّين الجدد أو الحركات القوميّة المتطرّفة؟ وتعقيبًا على ذلك ألا يوجد تشابهٌ كبيرٌ ومخيفٌ بين تقاعس السلطة الأستراليّة عن حماية جزءٍ من مواطنيها من العنف الكلاميّ والجسديّ، وبين الإهمال الهائل للسّلطة الفئويّة في لبنان للاعتداءات العنصريّة والطائفيّة على الأفراد المسيحيّين وممتلكاتهم؟