اللعبة الكبرى عندما تتحرّك فوق رؤوسنا

هشام بو ناصيف

يستحقّ موقفان برزا في الأيّام الأخيرة التوقّف عندهما. الأوّل ما ذكره الدبلوماسي الأميركي إليوت أبرامز بمقاله الأخير في الناشونال رفيو عن التحولّات الآتية على الساحة الدوليّة مع الحرب الباردة الجديدة التي افتتحتها الأحداث الأوكرانيّة. أشار أبرامز تحديدًا إلى أنّ الأوروبيّين فهموا أخيرًا خطورة الاتّكال على الغاز الروسي وأنّهم متوجّهون لاستبداله بمصادر طاقة بديلة أهمّها سيأتي من شرق المتوسّط، أي من إسرائيل، ومصر، وقبرص.

المؤشّر الثاني مقابلة وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان مع الأتلنتيك التي قال فيها إنّ إسرائيل ليست عدّوة بلاده، وإنّ السعوديّة تنظر إلى الدولة العبريّة كحليف محتمل يمكن التعاون معه في مجالات شتّى بعد حلّ بعض المشاكل العالقة على الخطّ الإسرائيلي – الفلسطيني. هذه المقابلة استعادتها وسائل الاعلام في الرياض دون أن تحدث خضّة في السعوديّة أو الخليج عمومًا. وغالب الظنّ أنّ موقف بن سلمان لا يحظى فقط برضى النخب الحاكمة، بل بقبول الشارع أيضًا. ولا تفعل مقابلة وليّ العهد سوى تأكيد المؤكّد لجهة أنّ الصراع العربي – الاسرائيلي انتهى، وأنّ العلاقات بين إسرائيل والخليج تتجّه إلى مرحلة جديدة من الدفء والتعاون في كافّة المستويات.

من وجهة نظر لبنانيّة، كلّ هذا فرص ضائعة لبيروت. واضح من مقالة أبرامز أنّ لبنان ليس من الدول التي تتوجّه إليها الأنظار الأوروبيّة كمصدر من مصادر الطاقة البديلة. وغالب الظنّ أنّ لبنان لم يسقط سهوًا من اللائحة، بل أنّ الدول الغربيّة لن تعوّل على دولة فاشلة، وذات سيادة مصادرة أيضًا، عندما رسم سياسات تحدّد مساراتها الاقتصاديّة، وأمنها القومي. غالب الظنّ أيضًا أنّ تبعات الأزمة الاوكرانيّة ستكون فرصة لدول شرق المتوسّط التي تمكنّت في السنوات الأخيرة من تحريك حقول الطاقة الخاصّة بها وسبرها، ويمكن تاليًا التعويل عليها فعلًا كمصدر طاقة بديل. الأكيد أنّ لبنان ليس من هذه الدول؛ ولعلّنا في السنوات المقبلة نراقب جيراننا يزدادون ازدهارًا، بينما نغرق نحن بالمزيد من الفقر والعزلة وانسداد الأفق الاقتصادي. ويعزّز التقارب الخليجي – الاسرائيلي القلق إذ يطرح علينا بإلحاح مسألة الدور الاقتصادي الذي يمكن أن نلعبه بالمستقبل. كان العرب يأتون إلينا كمصيف، أو جامعة، أو مصرف، أو مرفأ، وهكذا. من يحتاج إلى كميّة الركام التي بتنا عليها اليوم بينما احتمالات الجوار الاقتصاديّة والتكنولوجيّة واعدة كما هي عليه؟

والحال أنّ لعبة كبرى تدور فوق رؤوسنا، بينما نستمع نحن إلى نصائح زرع الخيار والبندورة على الشرفات، وتتوعّد الممناعة بدفن غازنا في مياه البحر عوض "التفريط" بها للإسرائيلي. المنطقة حبلى بتطوّرات ستحدّد مساراتها لعقود قادمة؛ ونحن على مقعد الاحتياط، نتفرّج – مجدّدًا – على آخرين يصنعون مستقبلنا عنّا. والحال أيضًا أنّ من ليس لاعبًا، ضحيّة اللعبة بالضرورة.