14 آذار... كأنّها لم تكن؟

شربل نوح

ليست 14 آذار حدثًا عابرًا في تاريخنا السياسي المعاصر، ولو تعمّد البعض تقزيم أهميّتها أو استعجل البعض الآخر نسيانها. ولو وضعنا لحظة 14 آذار في سياق هذا التاريخ تحديدًا، لوعينا الأهميّة الاستثنائيّة لتلك اللحظة الفريدة من مسارنا الحديث. والحال أنّ اللبنانيّين لم يتلاقوا إلّا نادرًا على أيّ هدف كبير منذ نشأ الكيان عام 1920. ولعلّ ذلك كان طبيعيًّا إذ أنّ منهم من رفض الكيان أساسًا، ومنهم من قبله على مضض، أو شعر بالغبن، أو شرّق فيما غيره مغرّب، أو العكس. طبيعي، والحال هذه، أن يكون لقاء اللبنانيّين حول قضيّة واحدة ومواطنة تجمعهم صعبًا. إلى أن كانت ثورة الأرز عام 2005، فظهّرت ما كان في طور التشكّل التراكمي حتّى تلك الساعة، عنيت هويّة لبنانيّة جامعة، أي غير محصورة بطائفة أو منطقة. لهذا، يبقى لـ14 آّذار حنين خاص في قلوب الوطنيّين اللبنانيّين، تحديدًا لأنّها عبّرت عن اجتماع اللبنانيّين وقدرتهم على التوحّد بلحظة صدق جميلة بينهم. ومن هنا أيضًا، الحسرة التي خلّفها بالقلوب آنذاك بقاء القوى الشيعيّة الوازنة خارج 14 آذار، سيّما أولئك منهم الذين ارتبطوا بإيديولوجيا ولاية الفقيه الغريبة عن الفكرة اللبنانيّة، بل المعادية صراحة لها. والحال أنّ هؤلاء لم يبقوا وحسب خارج اجتماع اللبنانيّين ، بل أداروا ويديرون كلّ ما أعطوا من قوّة ضدّ 14 آذار، كمشروع، وفكرة، وقيادات، حتّى كانت لهم الغلبة، وحلّت معها كلّ المصائب التي يعاني منها لبنان حاليًّا، على خلفيّة فقدان السيادة، وتفكّك أوصال الدولة، والانهيار الاقتصادي، والعزلة الإقليميّة والدوليّة غير المسبوقة.

وبعد أن رفعت 14 آذار آمالنا إلى السماء، ها نحن نسأل اليوم ما إذا كان للكيان اللبناني مستقبلًا، أو أنّه سائر صوب سيناريوهات تشبه ما جرى ويجري في الصومال، أو ليبيا، أو اليمن. والحال أنّ 14 آذار كانت أنبل أحلامنا وأحلاها، قبل أن تكسرها، من جهة، يد الاجرام والاغتيالات المتعاقبة، ومن جهة ثانية، لعبة المصالح، والأنانيّات، والصراع على السلطة، ووضاعة بعض الصغار، ووصوليّة المتلوّنين والضعفاء. عشنا حلم بناء الدولة والوطن السيّد، ووصلنا الى نقيضه، وكأنّه لم يكن. يبقى أن لا ندم على المحاولة ذات 14 آذار عام 2005، وأن لا تخلّي عن روح 14 آذار وهدفها، ولو طال السعي دهرًا.