جورج رطل
يدخل لبنان في الأسابيع المقبلة مرحلة متقدّمة من التحضير للاستحقاق الانتخابي، وسط فتور يعمّ شرائح وازنة من الناخبين. لماذا البرودة الظاهرة، أقلّه إلى الساعة؟ الأسباب متنوّعة. فمن جهة، هناك من لا يزال على شكّه أنّ الانتخابات ستحصل. وهناك من يقول من جهة أخرى إنّ المعضلة معضلة نظام، وإنّ الانتخابات، ولو جرت، لن تحلّها، سيّما أنّ نزاهتها غير مضمونة في ظلّ السلاح غير الشرعي. وهناك أيضًا من فقد القناعة بأحزاب سابقة انتمى إليها، من دون أن يتحمّس بالضرورة للقوى الناشئة البديلة. فإذا ما أضفنا إلى كلّ ذلك مقاطعة الوجوه السياسيّة السنيّة البارزة للانتخابات – باستثناء مرشّحين كأشرف ريفي في طرابلس، وفؤاد المخزومي في بيروت – يصبح المشهد الضبابي والميّال إلى البرودة مفهومًا.
طبعًا، لا يمنع كلّ ما سبق القوى المشاركة بالانتخابات من شدّ عصب قواعدها، وهو ما قد ينجح بالنتيجة بضخّ حماس غائب إلى الساعة. كان ملفتًا، في هذا الاطار، محاججة رئيس الحزب التقدّمي وليد جنبلاط أنّ المختارة "محاصرة"، وأنّ حزب اللّه يسعى لتقزيمها كخطوة على طريق الإطباق الكامل على لبنان. بهذا يستثير جنبلاط حساسيّتين معًا: الأولى، جماعاتيّة، بمعنى تحفيز الأنصار على منع حزب شيعي من ضرب زعامة درزيّة؛ والثانية سياديّة، تستعيد خطاب 14 آذار ذا الوقع العميق لدى جماهيره، داخل الطائفة الدرزيّة وخارجها. مسيحيًّا، التراشق القديم – الجديد بين القوّات اللبنانيّة والتيّار الوطني الحرّ مستعرّ. هل تكون الانتخابات مناسبة لتأكيد سيطرة التيّارين على الطائفة، أم أنّ حجم التململ فيها، معطوفًا على اقتراع المغتربين، سيسهّل بروز وجوه جديدة تطلّ على الساحة من خارج ثنائيّتها التي باتت "تقليديّة" بمعنى أنّها تعود إلى أواخر الثمانينات؟ ولكنّ الضبابيّة الأكبر هي على الساحة السنيّة التي يكاد من يراقبها يصاب بالذهول لسرعة تطوّراتها. كم من السنّة سيقاطعون، إذ ينسحب رموزهم من الساحة الواحد تلو الآخر؟ وإلى من ستذهب أصوات الناخبين السنّة الذين سيقترعون فعلًا؟ وإن كان بحكم الأكيد أنّ سنّة حزب اللّه، إن صحّ التعبير، عائدون إلى المجلس، فالسؤال هو: بأيّ حجم وعدد؟
الأسئلة كثيرة، يمكن البدء بتلمّس أجوبتها بعد أن تقفل أبواب الترشيحات، وتتشكّل اللوائح. والحال أنّ السؤال الأوّل والأهمّ، بل سؤال الانتخابات برمّتها، مرتبط بمحور حزب اللّه. انسحاب الحريري من السباق الانتخابي سهّل وضع الحزب كثيرًا؛ قبل أسابيع، بدا أنّ النائب محمّد رعد يحضّر القواعد الحزبيّة لخسارة الغالبيّة النيابيّة إذ كرّر أنّها لا تهمّ حزب اللّه كثيرًا. بعد انسحاب الحريري، اختفى هذا الخطاب، لأنّ الحزب يعلم بالضرورة أنّ مسألة تأمين الغالبيّة مجدّدًا باتت أسهل بكثير. والحال أنّ التوجّس من عودة الغالبيّة الحاليّة مبرّر إذ أنّ انهياراتنا الاقتصاديّة كما عزلتنا الإقليميّة والدوليّة ليست غريبة عن نتائج الانتخابات الماضية، وما أفرزته لاحقًا على مستوى تركيب السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة. هل يمكن وضع بلادنا على طريق التعافي، لو عادت الغالبيّة عينها، وأحكم محور الممانعة مجدّدًا قبضته على لبنان؟ سؤال آخر من أسئلة كثيرة مرتبطة بالاستحقاق القادم، طرحها أسهل من الإجابة عليها.