تكتيكات المعارضة الزائفة

هشام بو ناصيف

صارت تكتيكات المعارضة الزائفة واضحة. يمكن، من متابعة خطابها في الأسابيع الأخيرة، رصد ما يلي:

1) لا تستطيع المعارضة الزائفة تجاهل السلاح غير الشرعي كليًّا––لأنّ حقيقة استسلامها (أو تبعيّتها) له تصبح جليّة. تاليًا، تُدخل المعارضة الزائفة المسألة في خطابها بشكل عابر، وكمجرّد مشكلة بين مشاكل كثيرة توازيها أو تفوقها أهميّة.

2) استطرادًا للنقطة الأولى، وكتكملة طبيعيّة لها، تغيّب المعارضة الزائفة المسألة السياديّة كليًّا، وإن تكلّمت عن السيادة، فبصفتها الخدعة الطائفيّة التي يستعملها البعض لشدّ العصب، فيما يستعمل البعض الآخر خدعة المقاومة للهدف عينه. ومن زجّنا بالحرب السوريّة، قبل عقد، إلى قطيعتنا العميقة مع دول الخليج اليوم، تندرج الخطوط الكبرى الناظمة لأحوالنا كاستجابة لضرورات طهران الاستراتيجيّة وحساباتها. هنا مأساتنا المركزيّة، وتاليًا قضيّتنا أيضًا. أقلّه، هكذا يفترض؛ باستثناء أنّ المسألة مغيّبة لدى عموم "قوى التغيير".

3)استطرادًا للنقطتين السابقتين، تغيب مسألة العنف السياسي كليًّا عن الخطاب التغييري. كان مؤاتيًا طبعًا، بعد اغتيال لقمان سليم، التدافع إلى دارته والتقاط الصور مع عائلته المنكوبة، قبل تعميمها لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن القضيّة اليوم ليست على بال أحد خارج العائلة، على ما يبدو؛ وبما أنّ الشيء بالشيء يذكر، قرار محكمة الاستئناف الدوليّة الذي أضاف اسمين جديدين إلى اسم سليم العيّاش مرّ على الساحة مرور الكرام. العنف السياسي قضيّة أخلاقيّة قبل أن تكون سياسيّة، ولكنّ فتور المعارضة الزائفة تجاهها لا يخطئه عين. ويمكن المجازفة هنا بالتفسير التالي: الاغتيالات في العقدين الأخيرين استهدفت السياديّين؛ لو عادت––وهو احتمال قائم دومًا ما دامت شروطه الموضوعيّة كذلك––فهي ستستهدفهم مجدّدًا.أمّا وأنّ المعارضة الزائفة ليست منهم، فلا ضرورة لوجع الرأس.

4) خطاب تضييع المسؤوليّة سيّد الساحة. كلّن يعني كلّن كان شعارًا، وبات إيديولوجيا. هذا سيّئ بما يكفي، ولكن هناك ما هو أسوأ: أظهرت بورصة الأسماء تكاثر المرشّحين التقنيّين الذي يعدون بسدّ فجوة طريق من هنا، أو اصلاح عامود كهرباء من هناك، بعزّ الحاجة الى مسيّسين يخوضون معركة هي بالضرورة سياسيّة أّوّلًا. وليست هذه دعوة لتغييب التفكير بالسياسات العامّة بطبيعة الحال؛ ولكنّ وضعها بصدارة الخطاب الانتخابي وتغييب السياسة نفاق خالص، أو تهريج، أو مزيج من الاثنين معًا.

5) استحضار العلمنة كحلّ لمسألة الهويّة في لبنان، وهذه هرطقة مكملّة لمطلب إقامة الدولة المدنيّة، ونحن فيها أصلًا. في هذه النقطة بالتحديد يطفو مشهد محزن لدى المرشّحين الشباب قوامه أساسًا الضحالة المعرفيّة، و/أوالطائفيّة المضمرة التي شكّلت تاريخيًّا رافعة قوى تلهج بالعلمنة، والتقدّم، فيما تسلّم زمام الأمور لنخب يناقض جوهرها خطابها.

ولا يعني ما سبق أنّ الحاجة لتجديد النخبة السياسيّة ليست ماسّة، أو أنّ كلّ التغييريّين بالضرورة زائفون. ولكنّ الحقيقة أنّ عموم السيستم اللبناني منشطر إلى قسمين: واحد بالسلطة، والثاني ينتظر فرصة الانضمام إليها. الفرق بين الاثنين تقني لا أكثر.