بخصوص معادلة سيادة، حياد، فدراليّة

شربل صيّاح

قراءة التحوّلات الكبرى لحظة حدوثها ليست بالأمر السهل، وبالتالي تصعب معرفة ما ينتظر لبنان على المدى المنظور؛ إلّا أنّ الانطباع الغالب يبقى أنّ الأمور لن تستمرّ على ما هي عليه وأنّ لبنان الجديد لن يكون كما كان سابقًا لجهة نظامه السياسي، وربّما أيضًا هويّته.

من الضروري الانتباه إلى أنّه مهما كان حجم التأثير الدولي بالتطوّرات التي تنتظرنا، فهذا لا يعني أنّ اللاعبين الداخليّين لا دور لهم فيها. وبالتالي، من غير المقبول لنا كلبنانيّين أن نقف على ضفّة النّهر متهرّبين من مسؤوليّتنا، نتفرّج على آخرين يصنعون مستقلبنا عنّا ولنا.

وضع أسلافنا تصوّرًا للعيش معًا من ضمن تعدّديتنا المجتمعيّة، فكان النظام التوافقي اللبناني الذي لا تزال فلسفته تحكمنا منذ العام 1943. نيّة آباء الدستور، من ميشال شيحا إلى الطائف، كانت سليمة، إلّا أنّ النتيجة لم تكن كذلك، وأوضاعنا المزرية هي أكبر دليل على ذلك. لقد أثبتت التجربة أنّ كافة الأنظمة قابلة للتطوير، فلماذا يكون نظامنا استثناءًا؟ سئمنا من ردّة الفعل ومن السياسة كتكتيك و"حرتقات" بين نخب تتصارع على السلطة كهدف بذاته، وأصبحنا اليوم بحاجة إلى تصوّر ما يأخذ العبر من تسلسل المآسي اللبنانيّة المستمرّة منذ قرن، ويحضّر لمستقبل مختلف على أساسها.

نحتاج اليوم إلى الخروج من عهود "ردّة الفعل" للذّهاب إلى عهدٍ جديد، عنوانه "المبادرة و الفعل".

لماذا نقدّم في لبنان الفدرالي معادلة سيادة، حياد، وفدراليّة، كحلّ؟ أوّلًا، لأنّ حصريّة السلاح بيد الدولة شرطُ بديهيّ لاعتبارها كذلك، كما يعلم أيّ طالب في السنة الأولى في كليّة الحقوق، أو العلوم السياسيّة. المكوّن اللبناني الذي يفاخر بتلقّيه الدعم من خارج حدودنا ينقض فكرة الدولة في لبنان، وهذا طبيعي في مكان ما حيث أنّه بالأساس لا يعترف بالدولة إيديولوجيًّا. هل إمكانيّة بناء الدولة القويّة مُتاحة في ظلّ وجود مكوّن لبناني أساسي يرفض التّخلي عن هذا الدّعم، لا بل يستخدمه ليحاصر مستقبلنا بخيارته السياسيّة؟ الجواب هو بالتأكيد لا. تاليًا، لا مفرّ من أولويّة المعركة السياديّة مهما طالت. المواجهة مع الاحتلال السوري طالت أيضًا بين عامَي 1976 و 2005 ...ولكن أيّ خيار غير المواجهة كان عندنا كوطنيّين لبنانيّين إزاء أطماع حافظ الأسد ببلادنا؟

وأمّا الحياد، فهو في جوهره العودة إلى معادلة "لا شرق، ولا غرب"، مع العلم أنّها لم تعنِ يومًا الانعزال عن هذا أو ذاك، بل رفض دخول سياسة المحاور، ومهالكها على لبنان معروفة. وأمّا الفدراليّة، فلأنّ تجربة الدّولة المركزية فشلت بإدارة تنوّعنا، وساهمت بإبقاء هذه الطائفة أو تلك متوتّرة نتيجة "الغبن"، الحقيقي أو المتخيّل، عدا طبعًا عن الفشل بتنمية المناطق الطَرفيّة الفقيرة، وتحفيز التنمية والعدالة الاجتماعيّة.

نعلم تمامًا صعوبة المرحلة الحاليّة؛ ولعلّها تكون الأصعب منذ قيام لبنان. ولكنّنا نعلم أيضًا أنّ هذا الوقت لا ينبغي أن يكون ضائعًا. واجبنا أن يكون عندنا تصوّر لما نريد، بانتظار نضوج ظروف تسمح بتحويله إلى واقع سياسي. تصوّرنا في لبنان الفدرالي واضح، عَنيت السيادة، والحياد، والفدراليّة؛ لن نتعب من العمل على توضيحه لأكبر عدد ممكن من مواطنينا، من أجل لبنان. هذا وعد.