بخصوص طائفيّين ضدّ الطائفيّة

هشام بو ناصيف

هذا ما قاله المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان قبل أسابيع بحفل تأبيني في ميس الجبل الجنوبيّة: "من أكبر وأخطر محرّمات اللّه التفريق بين حركة أمل وحزب اللّه... كموقف يشهد لي يوم القيامة سأنتخب الثنائي الشيعي بكلّ ثقة... أكبر ما أنعم اللّه به علينا بهذه الفترة الدقيقة من تاريخ لبنان وتاريخنا الشيعي يكمن بالأخوّة الكبيرة جدًّا بين الأخ الرئيس نبيه برّي والأخ الأمين السيد حسن نصر اللّه، فضلًا عن الوحدة الفكريّة والأخلاقيّة والسياسيّة بل وحدة الخندق والسلاح بين حركة أمل وحزب اللّه."

وهذا ما قاله قبلان البارحة:"بصراحة أكثر، البلد في المرحلة المقبلة في حاجة ماسّة لتعديل القانون التأسيسي للدولة لنسف الدولة الطائفيّة وتكريس دولة المواطنة ومؤسّساتها". بالشكل، يتناقض التصريحان، بمعنى أنّ الطائفيّة الفجّة التي يعبّر عنها الأوّل يعكسها الثاني. بالمضمون، يتكامل الموقفان تمامًا، بمعنى أنّ إلغاء الطائفيّة يتيح عمليًّا مأسسة الغلبة الشيعيّة الحاليّة التي تستند إلى ثلاثي الديموغرافيا، والسلاح، والدعم الاقليمي. ولطالما كانت مجتمعات الاسلام تراتبيّة، بمعنى أنّ هناك من هو فوق، أو تحت، بحكم الولادة في هذه الجماعة أو تلك. وبخلاف ما يفترضه واهمون، لم تتغيّر الأمور كثيرًا: فكّر، مثلًا، بثنائيّة مسلم/مسيحي في مصر، أو شيعي/سنّي في ايران. يستعجل المفتي إعادة إنتاج هذه التراتبيّة، ومأسستها دستوريًّا بعد نسف نظام الكوتا بين الطوائف الذي قام عليه لبنان منذ كان؛ من هنا الدعوة القديمة – الجديدة لإلغاء الطائفيّة.

والحال أنّ التراتبيّة هذه باتت واقعًا، أو تكاد. فكّر بمسألة الضرائب، مثلًا. باختصار شديد: لجهة دفعها، المساهم الأوّل هو جبل لبنان. أمّا لجهة صرفها، فللجنوب حصّة الأسد. فكّر أيضًا بأنّ قوانين الانتخابات تعطي الثنائي الشيعي الغلبة في المجلس، أو لا تكون؛ وأنّ هويّة رئيس الجمهوريّة تحسم أوّلًا في الضاحية؛ وأنّ حصّة حزب اللّه من النواب السنّة وازنة في حين أنّ المقاعد الشيعيّة مقفلة للثنائي. كلّ هذه مؤشّرات لجهة من هو سيّد البلاد، ومن على هامش السلطة فيها. وكلّ هذا جيّد بطبيعة الحال بالنسبة للمفتي قبلان، ولكنّه لا يكفي. سماحته يريد المزيد... من أجل "المواطنة" طبعًا.

نائب حزب اللّه حسن عزّ الدين لم يقل غير ذلك في بلدة صدّيقين الجنوبيّة، حيث دعا قبل يومين إلى إقامة "الدولة العادلة في الداخل اللبناني القائمة على المواطنة الحقيقيّة، بحيث تقوم الدولة بمسؤوليّتها وواجباتها تجاه المواطن خارج القيود الطائفيّة والمذهبيّة". لا ضرورة طبعًا أن نسأل كيف يمكن لدولة داخل الدولة وضدّها أن تطالب بـ"الدولة العادلة". كما لا ضرورة أيضًا أن نذكّر السيّد عزّ الدين أنّ حزبه يطرح الحكم الديني كحلّ. ضروري بالمقابل أن نتذكّر أنّ التقيّة جزء أساس من ثقافة المنطقة. وتمامًا كما يمكن لعصارة الحكم الأقلّوي الطائفي في سوريا أن يلهج بالعروبة والاشتراكيّة، يمكن أيضًا لمن يجهر بالولاء للوليّ الفقيه أن يرطن بهجو "الطائفيّة".

ماذا يعني كلّ ذلك؟ ببساطة، النخب الشيعيّة تسعى للاطباق الكامل على السلطة عبر تغيير النظام. الهدف قديم، بطبيعة الحال، ولكن الإكثار من الكلام عنه مؤخّرًا يشي بأنّها اقتربت منه، أو أقلّه، هكذا تفترض. وبهذه الخلفيّة، يمكن أن نفهم تحذير نصراللّه لأهل بعلبك-الهرمل لجهة أنّ "من يتحالف مع القوّات يتحالف مع قتلة شهداء الطيونة". إقفال الطائفة ضروري عندما يكون الهدف كبيرًا، وهو كذلك فعلًا.