إيلي خطّار
نتجت الأزمة الماليّة التي يعاني منها لبنان جرّاء أسباب داخليّة كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، النموّ المتسارع للقطاع المصرفي مقارنةً بحجم الاقتصاد، وخسائر القطاع المصرفي في الخارج، والهندسات الماليّة لردم الفجوة في السيولة، بالإضافة إلى جملة أسباب خارجيّة، كالحرب في سوريا ونتائجها المباشرة على الاقتصاد اللبناني، كما العقوبات الأميركيّة.
إنّ الإدارة الرشيدة في المؤسّسات المصرفيّة هي ضمانة أساسيّة لاستمرارها ونجاحها على المدى الطويل، وأيّ تفكير في إعادة حوكمة القطاع المصرفي يجب أن يهدف إلى إعادة تكوين رساميل المصارف وفق حجمها الجديد، وإلى ردم الفجوة في ميزانيّة مصرف لبنان وتحقيق الاستدامة في إدارة الدَّين العام. في سبيل تحقيق كلّ ما ذُكر، يجب أن تستند إعادة حوكمة القطاع على ما يأتي:
أ- العمل على معالجة حجم الخسائر غير المسبوق في القطاع المالي، مع حماية صغار المودعين.
ب- إدراج الحوكمة كأسلوب لتسيير رشيد داخل المؤسّسات المصرفيّة، وزيادة المصارف للأموال التي تخصّصها كبند احتياطي لسدّ الثغرات الماليّة في حال حدوث أزمة أو شحّ في النقد، وتشجيع البنوك الكبيرة على الاحتفاظ باحتياطيّات أكبر لأنّ انهيار مثل هذه البنوك يمكن أن يدمّر النظام المالي بأكمله.
ج- تشديد الرقابة على مجمل العمليّات التي تقوم بها المؤسّسات المصرفيّة عن طريق التدقيق الداخلي لتحقيق الاستقرار ولضمان عدم تعرّضها لأزمات تؤثّر بشكل أو بآخر على استقرار المنظومة الماليّة الوطنيّة.
د- إعادة هيكلة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. بالنسبة إلى مصرف لبنان، يجب ألّا تقتصر مهمّته على تحقيق الاستقرار في الأسعار والمحافظة على النقد وسلامته، لا بل يجب تعديل الدستور وتكريس استقلاليّة المصرف المركزي في مجال السياسة النقديّة.
ه- إنشاء لجان لدى المصارف لتقييم مخاطر التوظيفات، وجعل المنظومة المصرفيّة اللبنانيّة منظومة حديثة وقابلة للتعاطي دوليًّا مع المصارف الأجنبيّة.
و- تدريب رؤساء مجالس إدارة المصارف على الإدارة الرشيدة والحوكمة، وتعزيز هذه المجالس بأعضاء غير تنفيذيّين وأعضاء مستقلّين وإنشاء لجنة تدقيق من بين أعضاء مجلس إدارتها غير التنفيذيّين تشرف على عمليّات الرقابة الداخليّة.
ز- تعبئة الموارد اللازمة لتمكين مصرف لبنان من استعادة دوره في إدارة فعّالة للسياسة النقديّة، وتخفيف خسائره تدريجيًّا.
ح- تحديد الخسائر وتوزيعها بشكل عادل من خلال إنجاز خطّة تفاوضيّة مع الدائنين وتحديد الخسائر المحقّقة على محافظها الماليّة، وتحديد نسبة التعويض المناسبة، أي التحديد الواضح لنسب الاقتطاع على سندات اليوروبوندز.
ط- إقرار قانون طوارئ للانقاذ المصرفي يعطي للسلطة الرقابيّة الحقّ بإدارة المصارف المتعثّرة كما يعطي أفضليّة لصغار المودعين.
ي- إقرار قانون جديد للرقابة على المصارف، وإقرار قانون الكابيتول كونترول.
ق- إقرار قانون لاسترداد الأموال التي تمّ تحويلها إلى الخارج وخصوصًا من المصرفيّين وكبار المودعين.
ل- تقديم كفالة من الحكومة لصغار المودعين بهدف استعادة الثقة.
م- تشجيع المصارف في لبنان للابتعاد عن العائليّة وتبنّي مفهوم الاستقلاليّة بالشكل المطروح ووفقًا للمعايير الدوليّة.