بربريّة تحاكي بربريّة

إدمون الياس بخّاش

يعتبر الفيلسوف البلغاري–الفرنسي تزفيتان تودوروف أنّ الخوف من البرابرة (كل من لا يعترف بإنسانيّة الآخرين ومتسلّحًا بالعنف لفرض أمر واقع) فيه خطورة بأن يجعلنا بدورنا برابرة. هي عمليًّا حال كلّ قوى الممانعة في المنطقة. فلشدّة خوفها من ما تسمّيه بالإمبرياليّة والصهيونيّة تخاطر بأن تصبح شبيهة لها، وإحدى أوجه الشبه يكمن في سياسة فرض الأمر الواقع بحكم فائض القوّة.

عمليًّا، كان يكفي الولايات المتحدة أن تجعل من صدام حسين بربريًّا يمتلك أسلحة كيميائيّة، تبيّن لاحقًا أنّها غير موجودة، لتفرض أمرًا واقعًا بالقوّة يقول بوجوب تحرير العراق من البرابرة لفرض الديموقراطيّة. وبالمقابل يكفي روسيا أن تتّهم الحكّام في أوكرانيا بالنازيّة، مع أنّ رئيسها يهودي قتل أهلَه النازيّون، لإشعال حرب تطهيريّة ضروس دمّرت أوكرانيا ولا تزال، كلّ ذلك بهدف تطهير الأرض من البرابرة النازيّين.

ويكفي إسرائيل خطف جنديّين إسرائيليّين من قبل حزب اللّه وقتل ثلاثة آخرين، لفرض أمر واقع جديد بالقوّة دمّر لبنان في سنة 2006 وذلك بهدف تطهير لبنان من البرابرة الإرهابيّين أي حزب اللّه بحسب إسرائيل. ويكفي قوى الممانعة في لبنان أن تنعت أيًّا كان بالإمبرياليّة أو الصهيونيّة أو العمالة ليصبح بربريًّا، فقط لأنّ رأيه الحرّ مخالف لرأيها، الأمر الذي يشكّل في عقيدة الممانعة خطرًا وجوديًّا على قوى "الخير"، فتجعل من الآخر بربريًّا "شرّيرًا" يجب مقاتلته أو حتّى تصفيته جسديًّا.

هذه القوى باتت تقاتل عن خوف، وهذا أمر واضح لناظريه، وبذلك تجعل من نفسها بربريّة بحكم التماهي مع البرابرة بسعيها لفرض أمر واقع بالقوة، والشواهد كثيرة، من 7 أيّار مرورًا بغزوة عين الرمانة وصولًا لغزوة الصرفند، صراعات لمقاتلة من تعتبرهم برابرة لا يفهمون الحقّ (من وجهة الممانعة) فيكون الشعار: إن لم يفهم الآخرون بالكلام نُفهمهم بالقوّة... بربريّة تحاكي بربريّة.