إيلي خطّار
إنّ التعايش مع الأزمة الحادّة التي يشهدها لبنان كأمر واقع مفروض تنحصر مواجهتها بالصمود إلى حين انكفائها لا يسجّل أيّة فائدة ملحوظة، لا بل يُفترض الاستفادة منها واعتبارها فرصة مؤاتية لبناء لبنان جديد تسوده الشفافية والنزاهة والاستقلاليّة في العمل السياسي وفي إدارة الدولة، من خلال إجراء ورشة إصلاح شاملة تتضمّن من جملة ما تتضمّنه، موضوع الجمع بين النيابة والوزارة، وبين رئاسة حزب أو تيار سياسي وتولّي إحدى الرئاسات الثلاث في آن.
ينصّ البند الخامس من المادة (14) من قانون الوظيفة العامّة على وجوب تخلّي الموظّف كلّيًّا، في حال انتمائه إلى الأحزاب أو الهيئات أو المجالس أو الجمعيّات السياسيّة أو الطائفيّة ذات الطابع السياسي، عن أيّة مهمّة أو أيّة مسؤولية في هذه الأحزاب أو الهيئات أو المجالس أو الجمعيّات.
إنّ الهدف من ذلك محدّد في البند الأوّل من المادة المذكورة وهو واجب الموظّف في أن يستوحي في عمله المصلحة العامة دون سواها، وبطبيعة الحال، يتوجّب عليه عدم التمييز بين المواطنين بحسب انتمائهم السياسي أو الديني ومعاملة جميع المواطنين بتجرّد وعدم إنحياز واستقلاليّة ومساواة.
فكيف بالأحرى من يتولّى النيابة أو الوزارة، ومن يرأس السلطات السياسيّة ويؤتمن على البلد برمّته وعلى مصالحه الاستراتيجيّة؟
لنا في التجربة الفرنسيّة خير دليل على أهميّة عدم الجمع بين تبوّء منصب وزاري وأيّ منصب نيابي أو مهني أو ذات طبيعة عامة، بحيث نصّت المادة (23) من الدستور الفرنسي على ما حرفيّته:
Les fonctions de membre du Gouvernement sont incompatibles avec l’exercice de tout mandat parlementaire, de toute fonction de représentation professionnelle à caractère national et de tout emploi public ou de toute activité professionnelle…
الدستور المصري انتهج المسار الإصلاحي ذاته، بحيث نصّت المادة (103) منه على أنّ عضو مجلس النواب يتفرّغ لمهام العضوية ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقًا للقانون، وكلمة "تفرّغ" تعني تخصيص كلّ الوقت وإعطاء كلّ المجهود.
كما أنّ المادة (27) من الدستور اللبناني تنصّ على أنّ عضو مجلس النواب يمثّل الأمّة جمعاء ولا يجوز أن تُربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه.
وعليه، كيف يستطيع النائب أن يقوم بدوره التشريعي والرقابي بالكامل وفي الوقت عينه يتولّى منصب وزاري؟
أين مبدأ الفصل بين السلطات الذي يضمن تحقيق التوازن بين السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، فيساعد في منع تداخل عمل هذه السلطات مع بعضها البعض ويضمن استقلال كلّ منها؟
ومن جهة أخرى، كيف يعقل أنّ من يتولّى رئاسة مجلس النواب أو رئاسة مجلس الوزراء على سبيل المثال، لا يستقيل من منصبه كرئيس لحزب معيّن؟
يقول الباحث والكاتب الفلسطيني الأستاذ تحسين يحيى أبو عاصي أنّ المستقلّ هو المستقلّ من حيث رؤيته السياسيّة من دون أن يكون له ارتباط أو تبعية بأحد مطلقًا من تلك القوى أو التنظيمات المختلفة والتي تتصارع فيما بينها، وهو الذي يطرح طرحًا مدوّيًّا هادفًا لا ينحاز إلى هذه الفئة أو تلك القوّة، هو الذي ينتقد الجميع من دون أن يكون تحت عباءة أحد...
عسى أن يتلقّف ذلك ذوو الشأن ويتقدّموا باقتراحات أو بمشاريع قوانين بهذا الخصوص، مع الاشارة إلى أنّه متى توافر الحسّ بالمسؤوليّة الوطنيّة وبنبل العمل السياسي المستقلّ، تنتفي الحاجة إلى النصوص القانونيّة الرادعة ويبادر المعنيّ بالأمر بتطبيق ذلك من تلقاء نفسه.