إدمون الياس بخّاش
مَن منّا لم يُنشِد يومًا النشيدَ الوطنيّ اللبنانيّ "كُلُّنَا للوطن..." في المدرسة أو في الحيّ مع الرفاق أو في افتتاح مناسبة رسميّة؟
ولكن كم منّا تأملوا في كلمات نشيدنا الوطنيّ؟
في معرِض تأمّلي لمطلع النشيد استوقفني ضمير الجمع "نا"، في "كُلُّنا".
ورحت أبحث عن معنى كلمة "كلّ" فوجدت أنها للشمول ولكن حُكمها الإفراد والتذكير، أي أنّها تتوجّه لكلّ فرد بمفرده شاملة كلّ الأفراد دون استثناء لتُذكِّرهم بما عليهم تذكّره دائمًا وعدم نسيانه أبدًا. إذًا الكلام موّجه لكلّ فرد لبنانيّ دون استثناء، وأشدّد على كلمة لبنانيّ. من وجهة نظري، لا أستطيع إلّا أن أرى، في هذه "الكلّ"، اعترافًا بحريّة الفرد اللبنانيّ بدليل دعوته والتوجّه إليه بفرديّته ليكون للوطن. وإلّا لكان استعمل المؤلّف كلمة "جميعنا" والتي تدلّ على الجمع، قائلًا: "جميعنا للوطن". وبما أنّ كلمة "كلّ" كافية لبلوغ المعنى المقصود في تحقيق الدعوة لكلّ فرد ليكون لوطنه، لِمَ أضاف الكاتب إذًا ضمير الجمع "نا" في "كُلُّنا" ولم يكتفِ بقول، كلٌّ للوطن؟
جوابي هو أنّ الكاتب يعي تمامًا أنّ كلّ فرد لبناني إنّما ينتمي لجماعة ثقافيّة ودينيّة معيّنة ومتمايزة عن باقي الجماعات، وتُساهم مع باقي المكوّنات المجتمعيّة تلك، في تشكيل النسيج اللبناني العام. لذلك وَجب عليه مخاطبتها بالجمع، قائلًا: "كُلُّنا"، متوجّهًا بذلك في دعوته إلى كلّ فردٍ وإلى كلّ جماعة بأحاديّتها وخصوصيّتها، ضمن وحدة الانتماء للوطن الواحد واسمه لبنان.
هذه الـ"نا" يا سادة إنّما تُجسِّد "فدراليّتنا" الثقافيّة المتنوّعة. فلا يبقى لنا سوى قونَنَتِها وجعلها دستورًا. إن كان نشيدنا الوطنيّ في مطلعه يعترف بهذه الفدراليّة، أعتقد أنّه آن الأوان لنعترف كلّنا أيضًا بها.