نتخابات 2022 (1): الاستعصاء الشيعي

هشام بو ناصيف

لعقود، أرخت وجوه كالياس الفرزلي، وأسعد حردان، وطلال ارسلان، وعمر كرامي، ووئام وهّاب ظلًّا ثقيلًا على المشهد اللبناني. من حقّ اللبنانيّين أن يفرحوا بخروج هؤلاء من الندوة النيابيّة، أو فشلهم بالوصول إليها. يبقى أن لا ضرورة للمبالغة بأهميّة حضورهم أو غيابهم عند قراءة المشهد الجديد بعد الانتخابات. فهؤلاء، من جهة، حلفاء النظام السوري؛ ومن يقبض على القرار اللبناني اليوم إيران، لا سوريا. وهؤلاء، من جهة ثانية، مرتبطون ذيليًّا بنواة النظام الصلبة، ولكنّهم ليسوا النواة الصلبة نفسها. السؤال الحقيقي للانتخابات ومغزاها متعلّق بهذه النواة، ويتمحور حول مسألة علاقة حزب اللّه ببيئته: هل هو مأزوم فيها أو أقلّه، متراجع؟

كان طرح السؤال قبل الانتخابات مشروعًا لأسباب ثلاثة: الأوضاع الاقتصاديّة المأساويّة غير المسبوقة في لبنان تفترض، منطقيًّا، أن يلوم بعض الشيعة أقلّه الحزب عليها، وهو سيّد النظام وحاميه. من جهة ثانية، تتالت في السنوات الأخيرة معلومات تربط الحزب بملفّات شديدة الخطر على لبنان، بما فيها انفجار مرفأ بيروت، وتحويل لبنان الى دولة تصنّع وتصدّر الكبتاغون، وقضيّة لقمان سليم، وقضايا الاغتيالات السياسيّة عمومًا. وأخيرًا، برزت في المشهد العام اللبناني منذ فترة وجوه شيعيّة جديدة قدّمت نفسها كبديل، وأوحت أو قالت صراحة أنّ شيئًا ما يتغيّر في اجتماع طائفتها السياسي. طبيعي، والحال هذه، التساؤل عن تأثير كلّ ما سبق على علاقة الحزب بقاعدته. الجواب حسمته اليوم الأرقام التالية: في العام 2018، حاز حزب اللّه على حوالي 320 ألف صوت تفضيلي؛ وفي العام 2022، تمكّن من الحصول على أكثر من 335 ألف. اذًا، الحزب متقدّم في بيئته، لا متراجع، دع عنك أن يكون مأزومًا. لعلّ هذه أهمّ خلاصات الانتخابات، وأخطرها.

أمّا وأنّ هناك من يحلّل السياسية انطلاقًا من أنّ الوقائع والأرقام لا تهمّ، فقد رأى في نسبة التصويت الشيعي المنخفضة اعتراضًا صامتًا من شرائح شيعيّة وازنة على الحزب. لم يقل لنا أصحاب هذه النظريّة لماذا بقي الاعتراض "صامتًا"، لو كان حقيقيًّا، طالما أنّ البديل موجود، والجوّ في لبنان جوّ تغيير و"ثورة". بالحقيقة، التصويت الشيعي في بعلبك – الهرمل طبيعي؛ وإن كانت نسبة التصويت انخفضت قليلًا بالجنوب، فلعلّ ذلك يعود لأسباب أخرى غير التراجع المفترض للحزب، بما فيها الاطمئنان لحتميّة نجاحه، وتاليًا، الاسترخاء. باختصار، الانتخابات وراءنا، ومعنا وأمامنا طائفة مستنفرة، مسلّحة، وأيضًا، مقفلة تمامًا. هكذا المشهد اليوم.

يعني ذلك، من ضمن ما يعنيه، أنّ الحزب سيستطيع استخدام كارت الميثاقيّة في كلّ محطّة من المحطّات المفصليّة القادمة للحفاظ على ستاتيكو يناسبه تمامًا. لا تريدون نبيه برّي رئيسًا أبديًّا للمجلس؟ ممتاز. فيتو شيعي. لا تريدون بيانًا وزاريًّا يشرّع عمل "المقاومة"؟ ممتاز. الشيعة معتكفون، إذًا لا حكومة. لا تريدون رئيسًا يتصرّف كتلميذ نجيب لسماحة مرشد الجمهوريّة اللبنانيّة؟ ممتاز. لا رئيس جمهوريّة. وهكذا في كلّ المواضيع، أو يرضخ اللبنانيّون لإعادة إنتاج السلطة نفسها، بالوجوه والممارسات نفسها، ويتحملّون لعقود قادمة تبعات خياراتها. باختصار، يضع تجديد إقفال الطائفة الشيعيّة لحزب اللّه لبنان أمام احتمالين أحلاهما مرّ: شلل النظام، أو استمراره كما هو عليه، أي كقوّة احتلال لا حدود لتغوّلها وبطشها.

المشكلة أنّ آليّات عمل النظام المركزي لا تسمح بتحييد المسائل الاقتصاديّة الحيويّة عن الأزمة السياسيّة. ظلّت بلجيكا بدون حكومة ل541 يومًا، بين 2010 و 2011، دون أن تتأثّر الحياة اليوميّة للمواطنين، لأنّ أمورهم بيد الحكومات المحليّة. منطق نظامنا مختلف. والمشكلة أيضًا أنّ الاستقطاب الداخلي يندرج ضمن استقطاب اقليمي ودولي تتناسل فيه الأزمات وتتشابك دون حلّ واضح بالأفق القريب.

بالخلاصة، خرجت وجوه من المشهد، ودخلت وجوه جديدة، وهذا جيّد. ولكن بيت القصيد بمكان آخر. الاستعصاء الشيعي المستدام يعني أنّ أزمة النظام مستمرّة. الصراع دخل مرحلة جديدة، وجلجلة اللبنانيّين فيها طويلة.