هشام بو ناصيف
بحسب المعطيات التي يقدمّها موقع ميغافون منذ يومين (تحيّة للجهد المميّز، بالمناسبة)، حازت القوّات اللبنانيّة على 173 ألف صوت تفضيلي ونيّف، وعلى كتلة نيابيّة قوامها 18 نائبًا. وحاز التيّار الوطني الحرّ، منافس القوّات المسيحي، على حوالي 122 ألف صوت تفضيلي، وعلى 18 نائبًا أيضًا. وكما دومًا، اشتعلت بين القوّات والتيّار خلافات المنافسة على "من هو المسيحي الأقوى". لم ينتبه أحد من الفريقين، على ما أعلم أقلّه، إلى الأزمة الحقيقيّة التي تعبّر عنها هذه الأرقام، عنيت مسألة الديموغرافيا، والتمثيل الطائفي، واستطرادًا، قضيّة النظام ومستقبل الدور السياسي المسيحي في لبنان.
ما أقصده هو التالي: فارق "قيمة" الصوت المسيحي والمسلم في لبنان يتعمّق مع كلّ دورة انتخابيّة جديدة، لمصلحة الصوت المسيحي، ضدّ الصوت المسلم. الأرقام التي ذكرتها أعلاه تعني أنّ أقوى حزبين مسيحيّين حصدا معًا 293,000 صوتًا تفضيليًّا، ويحقّ لهما تاليًا بـ36 نائبًا. بالمقابل، حصد حزب اللّه منفردًا 335,000 صوتًا تفضيليًّا، ليكتفي بكتلة نيابيّة من 13؛ أي أنّ القوّات والتيّار حصدا معًا أقلّ من الحزب بما يناهز الـ40 ألف صوت، ولكن نوّابهما تقريبًا ثلاثة أضعاف نوّاب الحزب. فإذا ما أضفنا أرقام أمل إلى الحساب، يصبح عدد أصوات حزب اللّه – أمل التفضيليّة أكثر من نصف مليون، لكن كتلة الحزبين 28 نائبًا (26 شيعيًّا؛ زائد ميشال موسى، عن مقعد مسيحي، وقاسم هاشم، عن مقعد سنّي)، أي أقلّ بثمانية نوّاب عن القوّات – التيّار، رغم أنّ الفارق الحسابي بالأصوات التفضيليّة يفوق المئتي ألف، لمصلحة الثنائي الشيعي. بالحقيقة، حتّى لو أضفنا 25 ألف صوتًا إلى المعادلة - هي أصوات ثالث أقوى حزب مسيحي، أي الكتائب - فهي لن تتغيّر كثيرًا.
بين المسلمين اللبنانيّين ليبراليّون يفهمون مأزق المسيحيّين في هذه المنطقة، ويريدون لهم بقاءً فيها. نعرفهم من المدرسة، والجامعة، والعمل، والعلاقات الشخصيّة. ولكن سيصعب حتّى على الليبراليّين القبول بأن يساوي الصوت المسيحي أربع أو خمس مرّات الصوت المسلم باسم المناصفة إذا استمرّ الانكماش الديموغرافي وتعمّق. بالحقيقة، عندما تطالب القيادات الشيعيّة بإلغاء الطائفيّة السياسيّة لإقامة دولة "المواطنة"، فهي تتذمّر من هذه النقطة تحديدًا؛ "المواطنة" هي الاسم الحركي لمصالحة حصّة الشيعة في النظام مع واقعهم الديموغرافي، تمامًا، بالمناسبة، كما أنّ العداء لإسرائيل، وسرديّة الممانعة، هي الاسم الحركي لوضع سنّة المشرق على الرفّ، باسم قضيّتهم المركزيّة.
كيف وصلت الديموغرافيا المسيحيّة إلى هنا؟ الجواب معقّد، إذ تتشابك فيه معطيات بنيويّة، لا قدرة لأحد على التحكّم بها، منها الانتقال من الريف إلى المدينة، وتعليم المرأة، ودخولها معترك العمل؛ مع الحرب اللبنانيّة ونتائجها، خصوصًا حرب الجبل، قاصمة الظهر؛ مع مرسوم التجنيس الشهير؛ مع نوعيّة النخب المسيحيّة، وخياراتها، لاسيّما نظريّة "حلف الأقليّات" السيّئة الذكر. ما العمل؟ أوّلًا، وضع مشروع يحافظ على الوجود للمدى البعيد، ومصالحة العمل السياسي مع الاستراتيجيا، بديلًا عن الحرتقة والتكتيك؛ ثانيًا، فرز نخبة سياسيّة جديدة تحوّل المشروع من فكرة إلى واقع؛ وثالثًا، الربط إن أمكن مع نخب ليبراليّة في الطوائف الأخرى تفهم أنّ همّ الحفاظ على الوجود مشروع، وأنّه أيضًا، غير موجّه ضدّها.