عمر حرب
في مقال سابق نُشر على هذا الموقع منذ شهر تقريبًا، دعوت إلى التركيز على إنهاض مدينة طرابلس المهمَلة كلّيًّا، وتطرقت إلى المسائل التي من شأن الالتفات إليها إنعاش المدينة اقتصاديًّا وبيئيًّا واجتماعيًّا. إليكم بعض الافكار والحلول المنهجيّة والعلميّة والهندسيّة المكتملة والمترابطة التي إن طُبّقت، ستعيد للمدينة أمجادها القديمة وتتيح لسكّانها العيش بكرامة وبمستوى معيشي لائق.
سردت في مقالي الأوّل مميّزات المدينة ومرافقها، أمّا مقال اليوم، فسيتطرّق إلى بعض الأفكار والخطط لتحسينها والحفاظ عليها، باختصار:
1- تأهيل المرافىء الثلاثة (المرفأ السياحي، المرفأ التجاري ومرفأ الصيّادين) بدءًا بإعادة تخطيط الأرصفة المائيّة وكاسر الأمواج، وتخطيط المداخل والمخارج وتجنّب تضييق الطرقات أو عرقلة السير على الطرقات المجاورة. الخطة المثلى تكون بتعبيد طريق خاص للدخول إلى المرافئ والخروج منها، وذلك لتفادي تقاطع زوّار المرافئ وروّادها مع المارّة. يجب الحرص على أن تكون الأرصفة الداخليّة ذات معايير حضاريّة وعالميّة ولها خصوصيّتها لتسمح للزوّار والسيّاح بالتنزّه بالقرب من القوارب وبعيش خبرة سياحيّة فريدة.
2- جعل الطرقات والأرصفة مظلّلة للأهداف الآتية:
- التخفيف من الاحتباس الحراري.
- التخفيف من التلوّث، كون الأشجار تمتصّ ثاني أكسيد الكربون وتضخّ الأوكسيجين في الهواء.
- جعل الطرقات سهلة الاستخدام.
- منع ركن السيارات على الطرقات الرئيسيّة للتمكّن من استخدام جوانبها للباصات وسيّارات الأجرة.
- تخصيص الطرقات الداخليّة الضيّقة للمشاة و للدرّاجات الهوائيّة.
3- إعادة تأهيل السكك الحديديّة في المدينة وإنشاء أخرى حديثة، وذلك من أجل ربط وسط المدينة والمعرض والجامعات والمرافىء بمحطّة القطار كما ربط المدينة والبلدات والأقضية المجاورة بعضها ببعض وربطها جميهعا بمطار القليعات وبالحدود الشماليّة أيضًا.
4- استحداث حدائق وإعادة تأهيل الحدائق القائمة أصلًا، واختيار الأشجار بناءً على معطَيين: الأوّل هو تَناسُبها وتأقلمها مع مناخ المدينة، والثاني هو تماشيها مع تاريخها وتراثها، من خلال البحث المعمّق في رسومات المشرقيّين أو الصور الفوتوغرافيّة القديمة.
5- إعادة تأهيل الأبنية والأحياء القديمة وترميمها، وهي خطوة يجب أن تكون من أولويّات أعمال ورشة إحياء المدينة، لأنّ من شأنها إبقاء أبناء المدينة العريقة في أرضهم وتعزيز افتخارهم بها. في هذه الأحياء كنوز تاريخيّة وثقافيّة مجهولة ومهمَلة وشبه مدمّرة. فلا حضارة ولا ثقافة ولا أمل بالتطوّر من دون تاريخ أو مرجعيّة، ومن المؤسف أن نرى مدينة غنيّة بالتاريخ ومتأثّرة بحضارات متنوّعة مرّت عليها، تعاني اليوم من حالة فقر وبؤس نتيجة إهمال مقصود وممنهج.
6- طرابلس الفيحاء (البيضاء) مدينة تقع على البحر الأبيض المتوسّط كما تونس، أثينا، مالطا، والرباط وغيرها من المدن التي طغى عليها الطلاء الابيض، والتي تحوّلت بفعل ذلك إلى لوحات مرسومة مفعمة بالحياة من خلال تفاوت شعاع الشمس والظلّ (l’ombre et la lumière)، وتباين الممتلىء والفارغ (le plein et le vide)، وهاتان من أهمّ ركائز التنظيم والتخطيط المُدني. إلّا أنّ طرابلس لا تتّبع هذه المعايير، وعلى أيّ خطّة جديدة للمدينة أن تعالج هذه المسألة.
7- تُعتبر مصفاة طرابلس من أكبر المصافي وأقدمها على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط، وهي كغيرها من المرافق العامّة في طرابلس، مهمَلة مهترئة، تفضح فساد الّذين يستمرّون بنهب المال العام. من الملحّ إعادة تأهيلها وتحديثها وتجهيزها وتطويرها وتوسيعها لكي نتمكّن من تخزين النفط وتكريره، وتخفيف نفقات شراء مادة المازوت، حيث أنّ سعر المازوت الخام أقلّ كلفة.
إنّ طرابلس مدينة غنيّة طبيعيًا وتاريخيًّا، لديها كافّة المؤهّلات التي تسمح لها بأن تصبح من أهمّ المدن على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط وأكثرها تطوّرًا ومواكبةً للحداثة. من شأن الخطّة (المختصرة) أعلاه أن تنعش ليس فقط مدينة طرابلس وأهلها، بل منطقة شمال لبنان بأسرها، فالبنى التحتيّة هي ركيزة التطوّر المدني والعمراني وأساس الاقتصاد المستدام والقويّ.