زحلة والفدراليّة (4)

إدمون الياس بخّاش

ضمن سلسلة زحلة والفدراليّة، أودّ أن أشارك قُرّائي الأعزّاء بثلاثة مواقف حصل أن مَرَرْتُ بها أو شَهدت عليها في الأسبوع المُنصَرِم أي أسبوع الإنتخابات النيابيّة في لبنان، وسمحت لي تلك المواقف أن أشاهد بأمّ العين واختبر بملئ الوجدان أمورًا زادت قناعتي بضرورة تطبيق الفدراليّة كآليّة حُكمٍ للنظام اللبنانيّ. وإليكم تلك المواقف.

١. أطلق رئيس بلدية زحلة - المعلّقة وتعنايل الأستاذ أسعد زغيب مبادرة قامت على تقديم مقرّ اجتماعات ليكون بتصرّف نواب زحلة المنتخبين حديثًا، بهدف تسهيل لقاءاتهم وتفعيل عملهم، على أن يتمّ تحديد موقع المقرّ من قبل البلديّة قي وقتٍ لاحق. وقد تجاوب مع هذه المبادرة، إلى حين كتابة هذه الأسطر، ثلاثة نواب هم، مع حفظ الألقاب، جورج عقيص، ميشال ضاهر، وجورج بوشكيان. وممّا جاء في خبر المبادرة على صفحة فيسبوك الخاصة بالبلديّة، أنّ الدافع الذي يقف خلف تلك المبادرة، بحسب زغيب، هو ضرورة فصل المسار الإنمائيّ عن المسار السياسيّ في المدينة. إنّي إذ أُثمّن عاليًا المبادرة المشكورة لرئيس البلديّة، لا يسعني إلّا أن أشير إلى أنّه لو كان النظام في لبنان فدراليًّا لكان هذا المقرّ مجلسًا لنوّاب المدينة ولكان عملهم التشريعيّ والرقابيّ على الحكومة المحليّة أكثر فعاليّة وأجدر نفعًا لتنفيذ المشاريع الإنمائيّة، ولما اكتفينا بالمقرّ كواحة لقاء مشترك فقط بهدف جمع النواب بعضهم مع بعض كما هو حاصل الآن.

٢. قبل يومين من الانتخابات النيابيّة كنت في زحلة فقصدت مساءً، على عادة الزحليين، مقاهي وادي البردوني وإذ بي أرى أشغالًا قيد التنفيذ لتوسيع الرصيف للجهة الشماليّة - الغربيّة وجهة الصعود مع استحداث مِصطبات من الاسمنت. وعَلِمْتُ من رئيس البلديّة، في لقاء عفويّ سريع جمعني به في اليوم التالي في أحد أروقة دار المطران (سيّدة النجاة)، أنّها مخصصة لوضع أكواخ خشبيّة (Kiosk). وفي مَعرِض الدردشة معه سألته إن كان المشروع يتضمّن رصفًا بالحجارة للطريق العام مكان الاسفلت الموجود حاليًّا، فقال إنّ ذلك سيتمّ ولكن في مرحلة لاحقة، وإنّه يجب أوّلًا استكمال أعمال البنية التحتيّة للطريق، فاستطردت مقاطعًا بالقول، "عسى ألّا تأتي وزارة الاشغال لتَحفِر ما قد ساويتم"، فطمأنني موضحًا أنّ الطريق هو ضمن صلاحيات البلديّة لا الوزارة التي حدود مسؤوليّاتها تقف عند الجسر في بداية منعطف الطريق، أي أنّ الجسر المستحدث هناك هو الفاصل بين أملاك الدولة وأملاك البلديّة. ما نفهمه إذًا، أنّ هذة النتيجة الرائعة لهذا العمل الإنمائي هي وليدة "الانعتاق" من السلطة المركزيّة وتفعيل السلطة المحليّة، فحبذا والحال كذلك لو أنّها تُشرّع ضمن نظام فدراليّ فتنسحب تلك المشاريع الإنمائيّة على كلّ مساحة المدينة وضواحيها.

٣. دُعيت للمشاركة كضيفٍ في اجتماع يضمّ اللجنة المسؤولة عن تنظيم احتفال "خميس الجسد" في دار المطرانيّة للروم الملكيّين الكاثوليك في زحلة. خميس الجسد احتفال ديني يُعدّ عيد أعياد زحلة، يتذكّر فيه الزحليّون حدثًا عجائبيًّا حصل من ١٩٧ سنة مضت، شُفيت على أثره المدينة من وباء الطاعون بعد أن جال أسقف المدينة حينها المثلّث الرحمة إغناطيوس عَجوري بالقربان المقدّس في شوارعها. خلال الاجتماع، وهنا أنا لا أُفشي سرًّا، طرح أحد المشاركين مشكلة عدم استطاعة إقفال المدينة بشكل عام يوم العيد، الأمر الذي يؤثّر سلبًا على نسبة المشاركين في الاحتفال. رُدّ عليه بأنّ الكنيسة تُقفل كلّ مؤسّساتها وتستطيع الطلب إلى بعض المؤسّسات الخاصة بأن تقفل أبوابها أيضًا، أمّا قرار الإقفال العام فهو عائد للحكومة اللبنانيّة. هذا الجواب الواقعي يعيدنا من جديد لمركزيّة القرار، فلو كانت زحلة فدراليّة لاستطاع أهلها من خلال حكومتهم المحليّة اتخاذ قرار الاقفال العام بالشكل القانوني ولاستطاعت المدينة أن تُعبّر عن طابعها الثقافي بشكل أفضل في حدثٍ يطال صميم وجدان أهلها، أعني به عيد خميس الجسد، عيد أعياد المدينة.

كل هذه الوقائع تؤكّد ضرورة العمل الدؤوب والجدّيّ لتحقيق النظام الفدرالي الذي يستطيع برأيي تأمين الاستقرار والسلام والوِئام لوطننا لبنان. لكن هذا السعي يجب أن يكون بخريطة طريق واضحة محطّاتها الثلاث الأساسيّة بالترتيب الزمنيّ والأولويّ كالتالي: سيادة، حياد، فدراليّة.