إنتخابات 2022 (3): بخصوص القوى الجديدة

هشام بو ناصيف

ندين للقوى الجديدة في هذه الانتخابات بأمور أربعة أساسيّة: 1) بدوائر معيّنة، أسقط مرشحّوها وجوهًا لا أسف لغيابها عن المجلس. 2) أظهرت القوى الجديدة للمراقبين الغربيّين أنّ اللبنانيّين قادرون على التصويت لبديل إن وجد. ما رماه مرّة ماكرون بوجهنا ("أنتم انتخبتموهم") لم يعد صالحًا إذا ما تذكّرنا أنّ الرئيس الفرنسي قصد الزعماء التقليديّين. نستطيع أن نقول اليوم أنّ بعضنا انتخبهم، صحيح، ولكن بعضنا الآخر تمرّد عليهم. 3) في بلد مفلس، ضروري أن تكون مواضيع الاصلاح الاقتصادي والقضايا المعيشيّة جزءًا من النقاش العام. يمكن التعويل على القوى الجديدة، أو أقلّه بعضها، لتبنّيها. 4) إدخال وجوه إلى الشأن العام من خارج النادي المقفل التقليدي جيّد بالمطلق. ما حدث يوازي إلقاء حجر بالمياه الراكدة والآسنة لسياسة لبنان؛ مرحى بهذا الحجر، وليت الخضّة بعد أكبر.

مقابل نقاط الضوء، هناك علامات استفهام تحيط بالقوى الجديدة، هذه أبرزها: 1) الرماديّة بمقاربة مسألة السلاح غير الشرعي مشبوهة، وبالحدّ الأفضل ساذجة. الزعم أنّ بناء الدولة اليوم يسمح لاحقًا بسحب السلاح تهريج رسمي لأنّ مجرّد وجوده يمنع بناءها. بالحقيقة، للسلاح دور طائفي، وإيديولوجي – ديني، واقليمي، لا يقوم إلّا على أنقاض الدولة اللبنانيّة. تقدّم القوى البديلة خدمة لحسن نصر اللّه عندما تحاجج أنّ السلاح ليس أولويّة حاليًّا؛ وليس بدون معنى أن يتلقّف نصر اللّه الخدمة ويكرّر موقف القوى البديلة حرفيًّا منذ يومين: تعالوا إلى المواضيع الاجتماعيّة، وحيّدوا السلاح. بمقدار ما تستمرّ القوى البديلة بنفس المنطق، بمقدار ما تعزّز صورتها كغبي مفيد. 2) التدخّلات الخارجيّة أُمّ الشرور بلبنان. صحيح أنّ هذه التدخّلات لا تخلق تناقضاتنا، ولكنّها تحوّلها إلى حرب أهليّة. ومنذ سرّبت الحدود المشتركة مع الجمهوريّة العربيّة المتحّدة سلاحًا ومالًا إلى معارضي كميل شمعون بالخمسينات، إلى السلاح الذي يأتي اليوم من إيران وسوريا، مرورًا بكلّ ما جرى بين الحقبتين، تدخّلات الاقليم بأمورنا تصيب منّا مقتلًا. الحياد حاجة حيويّة للبنان؛ الموقف السلبي – وبالحدّ الأفضل الرمادي – للقوى البديلة من مسألة الحياد لا يطمئن، ودليل طائفيّة مضمرة (أو ذميّة) يعرفها جيّدًا كلّ منتبه إلى النفاق والازدواجيّة التي تضرب عمقًا بالثقافة السياسيّة في هذه المنطقة من العالم. بهذا الاطار، إصرار نائب بيروت ابراهيم منيمنة منذ يومين على ربط المسألة اللبنانيّة بالمسألتين الفلسطينيّة والسوريّة مرفوض، وكذلك العودة لنغمة "النضال المشترك" و"ربيع العرب". شبعنا نضالات "مشتركة" لم تكن يومًا سوى تضحية باللبنانيّين من أجل سواهم. لا قضيّة في لبنان غير قضيّته، ولا مصلحة غير مصلحته الوطنيّة؛ وإن لم نتمكّن من الاتّفاق على هذا (وهو الحدّ الأدنى الضروري لحياة مشتركة بين المكوّنات) فلنتّفق على تنظيم الطلاق. كان سلميًّا في تشيكوسلوفاكيا وليس قدرًا أن يكون عنفيًّا عندنا. 3) بلبنان أزمة نظام لا تخطئها عين، والنظام التوافقي فشل. مثلًا، إن كان أيّ من الرؤساء الثلاثة غير ذي شعبيّة بطائفته، شعرت بالغبن؛ وإن كان قويًّا، حوّل الدولة مزرعة لخدمة الزبانية والمحاسيب. جوهر هذه الأزمة واضح: الأنظمة المركزيّة لا تصلح لإدارة المجتمعات التعدديّة. ومن الهند وباكستان في قارّتنا، إلى بلجيكا وسويسرا في أوروبا، إلى عشرات التجارب الأخرى، النتيجة دومًا واحدة: الفدراليّة هي الحلّ لإدارة التنوّع من ضمن الوحدة، متى كان الحفاظ على الوحدة ممكنًا. الموقف السلبي للقوى الجديدة من الفدراليّة يفضح ضحالة معرفيّة، وسوء فهم لمسألة الهويّة، فضلًا (مجدّدًا) عن طائفيّة مضمرة. ومن المؤسف حقًّا أن تغرق قوى يفترض أن تكون واعدة بشعارات الدولة المدنيّة، أو العلمنة كحلّ، دع عنك أنّنا نعيش فعلًا بدولة مدنيّة، وأنّ العلمنة تصلح للحدّ من تغوّل الدين في الفضاء العام، لا لإدارة التعدديّة المجتمعيّة، وهي مسألة مختلفة تمامًا. 4) بصفوف القوى الجديدة من يبدو أقرب الى أخلاقيّات السيستم اللبناني منه إلى المعارضة وتقديم البديل. في هذا الاطار، التحيّة التي وجّهتها بولا يعقوبيان لجميل السيّد منذ فترة مؤشّر واضح؛ ما يرشح عن تناغم بين ملحم خلف ونبيه برّي مؤشّر آخر. 5) شعار كلّن يعني كلّن ليس نبراسًا للمرحلة المقبلة. وهو ليس سياسة أيضًا. التقاطع مع القوى المعادية للسلاح ضروي؛ ليس واضحا أنّ هذا مفهوم في المعسكر "التغييري".

باختصار: لا رفض بالمطلق للقوى البديلة، ولا إعجاب زائد بما ظهر منها إلى الساعة. هي تتلمّس طريقها في سياسة لبنان؛ الموقف النهائي منها رهن مسارها.