قبلان طفح كيله

حنان رحمة

أطلّ علينا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بالأمس بتحذير الخصوم من مغبّة رفض الانضمام إلى حكومة وفاق وطني، ومن اللعب بالنار لأنّ "الكيل طفح". وحذّر قبلان أنّ الثنائي الشيعي لا يريد سوى نبيه برّي رئيسًا للمجلس النيابي، وأن أيّ اعتراض ستكون نتيجته الفراغ "عدوّ السلم الأهلي"، واللبيب من الإشارة يفهم. وأضاف قبلان الذي دعا سابقًا لبناء دولة المواطنة وإلغاء الطائفيّة السياسيّة أنّ لبنان لا يتّسع "إلّا لدولة وطنيّة واحدة وغير ذلك ممنوع ومحسوم ومحتوم ولن يتحقّق حتّى بخيال البعض. ومن لم يتعلّم من التاريخ سيدفنه التاريخ".

ترجمة الكلام لا تحتاج جهدًا. أكثر من نصف اللبنانيّين صوّتوا ضدّ السلاح غير الشرعي، ولكن قبلان يطالب القوى السياسيّة بتشكيل حكومة تغطيه، وبانتخاب رئيس مجلس يفعل الأمر ذاته. عمليًّا، يدعو قبلان الجميع للانضمام إلى حكومة وفاق غير متوافقة، تضع وراءها بديهيّة من نوع أنّ أيّ فريق عمل ينبغي أن يكون متجانسًا لو أراد للانجاز سبيلًا. مطلوب من السياديّين تحديدًا أن يقدّموا، بحجّة أولويّة المسائل المعيشيّة على ما عداها، غطاءً لنشاطات حزب اللّه داخل الحدود وخارجها، درءًا للفتنة وللاقتتال الأهلي. أمّا لو تجرّأ البعض أن يفكّر بفدراليّة، أو بلامركزيّة، أو بأي شيء غير دولة "وطنيّة واحدة" يحكمها خطّ المفتي، فسيدفنه "التاريخ". وكما نعلم، التاريخ عندنا يعبّر عن رغباته بعبوات ناسفة أو كواتم صوت، تشاء الصدف أن يكون ضحاياها دومًا سياديّين لبنانيّين.

حاول المفتي معنا ولكن كيله طفح من نكدنا. وهذا النكد، بالحقيقة، المتسبّب بسلسلة أزماتنا التعيسة. فلولا نكد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وإصراره على التآمر ضدّ الاحتلال السوري للبنان لما كان استُفِزّ سليم عيّاش (بقرار شخصيّ طبعًا) لاغتياله.

ولولا نكد اللواء وسام الحسن ومساندته المحكمة الدوليّة في تقصّيها الحقيقة في مسألة اغتيال الحريري، لما اضطرّ "مجهول" لاغتياله بالطريقة نفسها التي تمّ فيها اغتيال جبران التويني ووليد عيدو ووسام عيد ومحمد شطح وغيرهم من "النكدين" المشاغبين.

ولولا نكد الدول الخليجيّة ورفضها التعامل مع دولة يسيطر عليها حزب مرتبط غضويًّا بعدوّتها إيران، لما كنّا خسرنا داعمًا مادّيًّا وشريكًا تجاريًّا مهمًّا في المنطقة، ولما كانت تفاقمت أزمتنا الاقتصاديّة غير المسبوقة.

كلّ ما سردناه من أمثلة يعيد ويؤكّد حاجتنا إلى ترسيخ التعايش مع السلاح الإيراني، وتأليف حكومة وفاق وطني (الاسم الحركي لبيت الطاعة) يمنع مجرّد وجودها أيّ نوع من المعارضة الحقيقيّة، وتعرقل الطريق أمام كلّ من تسوّله نفسه النكد ووضع العصي في دواليب عجلة "البناء والحماية" بقيادة قوى الأمر الواقع.

طفح كيل الشيخ قبلان من مكابرتنا، طفح كيله هو، من الوضع البائس الذي نعيشه نحن. لقد حان الوقت أن نعلن استسلامنا الكامل لرغبات فريقه ونشهد خانعين على حكمه، وإلّا فلنعلم جميعًا أنّ لصبر سماحته حدود.