ايلي خطّار
ما سأُدلي به ليس من قبيل التأييد أو التبنّي أو الاذعان، انّما مناصرة لحقوق الانسان.
هالني ما سمعت اليوم من أحكام وقرارات ومضبطات اتّهام وتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور بعد قرار وزير الداخليّة بسّام المولوي تكليف قوى الأمن الداخلي منع تجمّعات تهدف إلى الترويج "للشذوذ الجنسي"، بحسب تعبيره. منذ بدأ الجدل قبل يومين، أقع على آراء على وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل صوتيّة تعتبر المثليّة فسادًا خطيرًا، وخطيئة، وأنّ الاشخاص الذين يمارسون "اللواط" يعانون من محنة ويجب أن يتوبوا. لن أدخل في جدل ديني، ولكن أحيل من يطلق الأحكام الى كلام رأس الكنيسة الكاثوليكيّة البابا فرنسيس الذي قال: "من أنا لأصدر الأحكام على المثليّين؟"
في سنة 1994، ( قضيّة تونين ضد استراليا) أعلنت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان المسؤولة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، أنّ القوانين التي تجرّم العلاقات الجنسيّة المثليّة بالتراضي بين البالغين تنتهك القانون الدولي لحقوق الانسان. كما حثّت الأمم المتحدة على الوقوف في وجه الكراهية التي يتعرّض لها مجتمع الميم.
كذلك نصّ الدستور اللبناني على ضمان حريّة المعتقد وحريّة الاجتماع ضمن دائرة القانون. المثير في قرار الداخليّة الأخير تعليله بأنّه لا يجوز التذرّع بالحرية الشخصيّة للترويج لما وصفه بالشذوذ، وأنّ هذا الامر مخالف للعادات والتقاليد في مجتمعنا ويتناقض مع مبادىء الاديان السماويّة، قبل أن خلص إلى منع إقامة هذه التجمّعات. ملاحظات عديدة نطرحها تعليقًا على هذا القرار:
- كيف راعى هذا القرار أحكام الدستور اللبناني الذي يكفل حريّة الاجتماع ضمن دائرة القانون؟
- كيف استبق هذا القرار حصول الاجتماع واعتبر مسبقًا أنّه يتجاوز دائرة القانون، وأنّه سيؤدّي إلى اساءة استخدام الحريّة الشخصيّة؟
- كيف يحصر هذا القرار الأسباب الموجبه لصدوره بمخالفة العادات والتقاليد والتناقض مع مبادىء الاديان السماويّة، من دون ذكر أيّة مخالفة لأيّ قانون؟ هل يستمدّ لبنان قوانينه من الشرائع الدينية أم من القوانين الوضعيّة المرعيّة الاجراء؟
من بين الذرائع التي ساقها أيضًا وزير الداخليّة مسألة: "مخالفة الطبيعة"، علمًا أنّ المادّة 534 من قانون العقوبات اللبناني تنصّ فعلًا على أنّ كل مجامعة خلافًا للطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة. ولكنّنا نسأل هنا: ما هو مفهوم "الطبيعة" ومن يحدّد إطاره، واستطرادًا، إطار مخالفتها؟ إنّ المشترع اللبناني لم يحدّد مفهومًا واضحًا للفعل المقصود في المادّة المذكورة تاركًا الأمر لتقدير القاضي بحسب كل حالة. للتذكير: يتوجب على كلّ قاضي التنبّه دومًا الى مسألة سموّ الدستور، باعتباره القانون الأوّل والأهمّ، والدستور اللبناني كفل الحريّات الشخصيّة، وضمن المساواة بين الأفراد في المجتمع. المواطنون المثليّون ليسوا استثناءً، وهم أيضًا بحماية دستور بلدهم.
وأساسًا، من يمكنه الزعم أنّه يفقه قوانين الطبيعة وحدودها ومداها، في ظلّ وجود مثليّة جنسيّة ثابتة لدى الحيوانات أيضًا؟ هل تخالف الحيوانات قوانين الطبيعة؟ وبالمناسبة، لقد ذُكرت مسألة الجنس المثلي لدى الحيوانات ضمن قرار المحكمة العليا للولايات المتحدة الأميركية في إحدى القضايا المتعلّقة بالمثليّة الجنسيّة، وهو ما أطاح بقوانين منع النشاط الجنسي المثلي في أربعة عشر ولاية أميركية. العقبى طبعًا للمادّة 534 من قانون العقوبات اللبناني التي ينبغي الغاؤها من أصلها.
ليت الدولة تنشط بمحاربة الظواهر التي لها فعلًا تأثيرات سلبيّة على الفرد والمجتمع، وهي على سبيل المثال لا الحصر، ظواهر الفساد والصفقات وهدر المال العام، وإذلال المواطن وانتهاك كرامته وحرمانه أبسط حقوقه، بدلًا من التلهّي بمحاربة فئة من المجتمع تضم نخبًا ومفكّرين ومبدعين لا يجدون سبيلًا أمامهم سوى الرحيل نحو مجتمعات أكثر إنسانيّة، تمامًا كالطيور المهاجرة الّتي تبحث عن الدفء والاحتضان. ويا ليتنا نرى جنودًا لنصرة حقوق الانسان بدلًا من سمّوا أنفسهم "جنود الربّ". ليطمئنوّا: الربّ ليس بحاجة لجنود تناصره، بل لسعاة سلام، ومحبة، ورحمة، وتسامح، وتقبّل الآخر.