هشام بو ناصيف
لعنة الموارد أو (Resource Curse) تعبير شائع في دراسات اقتصاد الدول الغنيّة بالموارد الطبيعيّة غير المتجدّدة كالنفط أو الغاز. تشير الأبحاث المرتبطة بالمسألة أنّ هبوط الثروة الناتجة عن بيع موارد مكتشفة حديثًا لا يؤدّي بالضرورة الى ازدهار المجتمعات، بل غالبًا إلى العكس تمامًا، أي افقارها أكثر، واغراقها بالعنف السياسي والحروب الأهليّة.
يمكن هنا التفكير بثنائيّة النرويج مقابل فنزويلا كنموذج حيّ. الدولتان غنيّتان بالنفط، ولكنّ النرويج وحدها استخدمت الأموال الناجمة عنه بشكل رصين لتنتقل بعقود قليلة في القرن العشرين من القعر الأوروبي إلى مراتب متقدّمة جدًّا لجهة حجم الطبقة الوسطى، والمستوى العلمي للسكّان، وشبكة الأمان الاقتصادي – الاجتماعي التي تقدّمها دولة الرعاية للمواطنين. بالمقابل، فنزويلا اليوم واحدة من أفقر دول العالم رغم كونها من أغناها نفطيًّا. زامبيا، سييرا ليوني، أنغولا، وسواها، نماذج أخرى عن مجتمعات ينبغي نظريّا أن تكون غنيّة بسبب مواردها، ولكنّها فقيرة.
لماذا تتمكّن بعض الدول دون سواها من تحويل مواردها الى رخاء مجتمعي؟ يسلّط البحّاثة المهتمّون بدراسات السياسة المقارنة الضوء على معطيات مثل معدّلات الفساد، حكم القانون، الحوكمة الرشيدة، قوّة مؤسّسات الدولة، وتداول النخب الحاكمة الديموقراطي على السلطة. وبمقدار ما يتوفّر كلّ ذلك، تنجو الدول الغنيّة بالنفط أو الغاز من لعنة الموارد؛ بالمقابل، بمقدار ما تغيب هذه المعطيات، يتحوّل اكتشاف النفط والغاز إلى مسبّب مباشر لارتفاعات فلكيّة بمعدّلات الفساد، وازدياد الفوارق الطبقيّة، وتعزيز سطوة النخب الأوتوقراطيّة التي تستعمل المال لشراء المحاسيب، ورشوة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة ثمّ استخدامها ضدّ الناس. لنقل، باختصار، إنّ الموارد تدفع الوضع كما كان قبل اكتشافها قدمًا، أيّا يكن: فإن كانت الدولة ديموقراطيّة ومستقرّة، تعزّز الثروة المكتشفة مسارها الديموقراطي. بالمقابل، إن كانت الدولة فاشلة، وفاسدة، ومجتمعها مستقطبًا، تتعمّق المشاكل وصولًا غالبًا إلى الاضطرابات الأهليّة، والثورات، والحروب. فكّر، على سبيل المثال، بكيف مهّدت الطفرة النفطيّة في إيران اعتبارًا من العام 1973 الطريق لاستيلاء الخميني على السلطة عام 1979.
نصل إلى لبنان. فساد النخبة الحاكمة خرافي كما هو معلوم. المؤتمرات الدوليّة الداعمة لاقتصاده تتالت منذ نهاية الحرب الأهليّة لكنّ أموال القروض تبخّرت، قبل أن تتبخّر أموال المودعين بالمصارف أيضًا. حكم القانون مزحة. المؤسّسات لا شيئ أو تقريبًا: نواة النظام الصلبة ممثّلة فيها، ولكنها تعمل ضدّها وخارجها. المجتمع مستقطب وعمليًّا بحالة حرب أهليّة باردة. كلّ المعطيات التي تميّز المجتمعات المصابة بلعنة الموارد موجودة عندنا، وبكثافة. ينسى نصر اللّه كلّ ما سبق عندما يقرّر، كما فعل بخطابه الأخير، أنّ "النفط والغاز هما السبيل الوحيد للخروج من الأزمة"، وأنّ "استخراج النفط والغاز يؤمّن مليارات الدولارات للدولة اللبنانيّة دون أيّ ديون خارجيّة وهذا هو طريق الإنقاذ الوحيد للبلد". كان ذلك ليكون صحيحًا في نظام لبناني غير النظام الذي فرزه الاحتلال السوري بين 1990 و 2005، قبل أن يحميه حزب اللّه، ويقمع مباشرة حركة الاحتجاج التي تحدّته عام 2019. أمّا في النظام الحالي، فالأفضل أن تبقى الموارد بقعر البحر على أن تبتلعها الجيوب العميقة جدًّا للاعبين يعرفهم نصر اللّه جيّدًا، ويسكت عنهم. وحتّى لو قبلنا فرضيّة أنّنا سنصبح فعلًا دولة نفطيّة، فالنفط ليس حلًّا لمشاكلنا الاقتصاديّة، ولعلّه يعقّدها أكثر.