هشام بو ناصيف
من يقرأ تويت أحمد الحريري البارحة حول النقاش الدائر عن بلديّة بيروت يخال أنّ "التقسيميّين الجدد"، كما وصفهم، عازمون بسبب "العنصريّة" (!) و"التقيّة" (!!) على تركيب حواجز على جسر الرينغ لفحص دماء القادمين إلى الأشرفيّة، على أن يتمّ السماح بذلك للبعض، وصدّ البعض الآخر، بحسب نقائهم العرقي. كلّ ذلك بسبب اقتراح، مجرّد اقتراح، أن يكون لبيروت الأولى مجلس بلدي من 12 عضوًا،ً ولبيروت الثانية مجلس بلدي من 12 عضوًا،ً على أن يجتمع المجلسان معًا شهريًّا للعمل على المشروعات المشتركة، بينما تكون الجباية في كلّ نطاق بلدي على حدة.
كيف يمكن تفسير هذا القدر من العدائيّة بموضوع يمكن مناقشته بهدوء، والتفكير به على أساس يحقّق الحوكمة الرشيدة لبيروت الأولى والثانية معًا؟ هناك ثلاثة عوامل يمكن التوقّف عندها هنا. وأمّا العامل الأوّل، فهو الكراهية الطائفيّة. لا يوجد شيء بنشأة أحمد الحريري، أو ثقافته، أو بيئته السياسيّة، يوحي أنّه قادر نفسيًّا على الشعور بأزمة جماعة تصارع من أجل البقاء، بينما تتقلّص أعدادها كلّ يوم، وينهار لبنان كما أرادته، ليحلّ مكانه مشروع مخيف، هجين، يدفعها دفعًا إلى مغتربات تبتلعها. هذه الكراهية، التي منعت سابقًا نشوء علاقة سليمة بين تيّار المستقبل والقوّات، تتحكّم اليوم بموقف أحمد الحريري من مسألة بلديّة بيروت. المسيحي الذي يقبله أحمد الحريري هو دافع الضرائب لتمويل صفقات زبانية العائلة الكريمة؛ أمّا من يتجرّأ على هزّ الستاتيكو غير المناسب لأحد في بيروت – بمن فيهم فقراء بيروت الثانية – ما عدا آل الحريري، فبالضرورة متآمر على العيش المشترك الذي لا يكتمل إلّا لو أمضت كريمة جمال عيتاني، رئيس بلديّة بيروت، شهر العسل في زوريخ، بعد زواجها الفاخر بتركيا.
وأمّا العامل الثاني، فمردّه الافلاس السياسي. قبل أيّام، أخذ أمين عام حزب اللّه حسن نصراللّه بالنيابة عن اللبنانيّين جميعا قرار الحرب والسلم؛ هذا لم يستفزّ أحمد الحريري. ولكن الحروب الصغيرة في بيروت تحرّكه. بالحقيقة، لم يعد بامكان آل الحريري قيادة المعركة السياديّة بعد سلسلة التسويات الطويلة التي تورّطوا بها مع المحور الممانع الانتي- لبناني، منذ زيارة سعد الحريري الشهيرة لبشّار الأسد ومبيته بضيافته، وصولا الى تحالف الحريري مع التيّار الوطني الحرّ، وتسخير أصوات المستقبل ل"صديقه" جبران بانتخابات البترون النيابيّة قبل سنوات. ولا بامكان آل الحريري طبعا خوض معركة الاصلاح ومحاربة الفساد، لأسباب معروفة. ولم يعرف عنهم أيّ تفكير جدّي بمسألة النظام السياسي. ماذا يبقى؟ الصيد بالماء العكر، والمعارك الوهميّة، والعنف اللفظي على مواقع التواصل الاجتماعي.
أخيرا، العامل الثالث هو التفاعل الايجابي لقسم غير قليل من الطائفة السنيّة مع الخطاب السيادي لقوى مسيحيّة كالقوّات والكتائب والبطريرك الماروني، مقابل التراجع الدراماتيكي للمستقبل وسط السنّة، وخسارته العطف المسيحي الذي كان عارمًا يومًا، لا بسبب أيّ شيء قام به الجيل الثاني من آل الحريري، بل لأنّ دماء الرئيس الشهيد عام 2005 كانت ثمن اندحار الاحتلال السوري عن بلادنا. تعلم العائلة الكريمة أنّ المسيحيّين السياديّين ليسوا سبب أزماتها الماليّة والتنظيميّة والسياسيّة؛ ولكنّهم صامدون، وهي تراجعت. في حنق أحمد الحريري على من كانوا رفاق الدرب بأصعب المحطّات شيء غير قليل من حسد.
كانت 14 آذار تستحقّ أفضل من هذا. وعمومًا، المعركة السياديّة مستمرّة جنبًا إلى جنب مع مكوّن سنّي يستحقّ بدوره أفضل من أحمد الحريري لقيادته.