إدمون الياس بخّاش
دُمّرت بيروت، مات وشرّد أهلها، ولا من مذنب ولا من متّهم ولا من مسؤول، الكلُّ سائلٌ والفاعل مجهول.
اليوم نعيد الذكرى. البعض يقول نعيدها كي لا ننسى...
كيف ننسى؟ والكثيرون، وأنا منهم، يذكرون أنّهم عادوا للحياة بعد موت محتّم.
كلّ سنة في مثل هذا اليوم سأذكر كيف نظرت من نافذتي المطلّة على مرفأ بيروت حين ابيضّ الأفق واهتزّت المباني ورُميت أرضًا من شدّة العصف وكيف سالت دمائي وهذا الصوت العظيم للتفجير الذي لم أسمع مثله من قبل طيلة سنوات الحرب، التي هي عمري.
سأذكر الجرحى وأصوات الأنين وصرخات الاستغاثة والمباني المهدّمة وتناثر الزجاج الذي عبّد الطرقات فوق الاسفلت.
"فراطة"، هي الكلمة العاميّة التي أستطيع أن أصف بها قيمة الإنسان في لبنان. نحن بالنسبة لمن يحكمون البلد "فراطة" لا أكثر، هؤلاء لديهم أشياء أكثر أهميّة من حياة الإنسان الذي إن سرقوه شكروا اللّه على نعمه وإن قتلوه قالوا: قضاءً وقدر.
حصانة نائب أهمّ من حياة اللبنانيّين. كرسيُّ رئاسة أو وزارة أو نيابة أهمّ من جوع اللبنانيّين. حقول الغاز لمن يهدّد بالمسيّارات أهمّ من العدل والحقيقة والعزّة والكرامة، لا بل أهمّ من لبنان كلّه.
لا، لن أشتمكم ولن ألعنكم فهذا ليس من شيمي ولا من تربيتي ولا من ديني، ولكن إعلموا جيّدًا أيّها المسؤولون عن مجزرة ٤ آب، من لبنانيّين وغير لبنانيّين... أنّ التاريخ سيذكركم على أنّكم أنتم اللّعنة التي حلّت بهذا الوطن وأنّكم الرجاسة التي دنّست أرضه المقدّسة وأنّكم تجسيد للشرّ في هذا العالم لأنّكم تخطّيتم كلّ ضعف بشريّ وكلّ حالة إنسانيّة تُعذر، فلا عذر لكم. فالويلٌ لكم دنيا وآخرة.