إلى العالم الحرّ: حذار ميونيخ 2

هشام بو ناصيف

"أعطيت خيارًا بين العار والحرب. اخترت العار؛ وستحصل على الحرب". بهذه الكلمات الشهيرة قرّع وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني نفيل شمبرلين الذي عاد مزهوًّا من ميونيخ بعد اتفّاقه الشهير مع هتلر عام 1938. ضحّت بريطانيا بتشيكوسلوفاكيا آنذاك، على أمل تجنّب الحرب مع ألمانيا. استنتج هتلر أنّ الديموقراطيّات الغربيّة ضعيفة ولا تملك الرغبة بالقتال، فكان أن اجتاح بولندا بعد أشهر، وبدأت الحرب العالميّة الثانية.

بعد عقود على هذه الأحداث، انسحبت الولايات المتّحدة من بيروت بعد تفجير ثكنات المارينز في اكتوبر 1983. كان مراهق سعوديّ يراقب المشهد من بعيد، واستنتج أنّ الأميركيّين نمر من ورق، يتراجعون بمجرّد مواجهتهم جديًّا. هذه الفكرة أكّدها في عقله انسحابهم لاحقًا من مقديشو، بعد أن أتوا إلى الصومال للمساعدة على بناء الدولة ووقف الحرب الأهليّة، ثمّ خرجوا على عجل بعد أن استهدف مخرّبون طائرة لهم وأوقعوا قتلى من الجنود الأميركيّين عام 1993. كان هذا السعودي يدعى أسامة بن لادن، والجذور البعيدة لهجوم 11 أيلول تعود إلى ما استخلصه من أحداث لبنان، ولاحقًا الصومال. منطق بن لادن كان بسيطًا: إن كانت القوى الديموقراطيّة تلوي بسرعة بعد ضربها، فلنضربها أكثر حتّى تنهار.

للعالم الحرّ اليوم عدوّ واضح: محور الصين – روسيا – إيران. في السنوات القليلة الماضية، حدث كلّ ما يلي: 1) اجتاحت روسيا منطقة القرم، في أوكرانيا، وضمّتها بالقوّة العسكريّة عام 2014. 2) دعمت روسيا وإيران حرب الإبادة التي شنّها بشّار الأسد على الشعب السوري طوال عقد مريع من الزمن، استعمل فيه الأسد الأسلحة الكيمائيّة ضدّ عزّل، فكانت مجزرة الغوطة الشهيرة في آب 2013، وكان سواها، دون أن يتحرّك أحد جديًّا في العالم ضدّ نظام دمشق. 3) خنقت بيجينغ، عبر عملائها، الحراك الشعبي في هونكونغ في 2019/2020. الحقوق الخاصّة التي تمتّعت بها المدينة تذوي تدريجيًّا، وقادة المعارضة في السجون أو المنافي؛ ولكنّ أحدًا في العالم لا يحرّك ساكنًا. 4) خنقت ايران، عبر عملائها، لبنان، وتخنقه كلّ يوم أكثر. باتت الحياة في البلد الذي كان يومًا رئة العرب الليبراليّة جحيمًا، ولكنّه متروك لمصيره البائس – كما الأفغان، بالمناسبة، بعد أن عادت طالبان لتملك سعيدة في كابول.

الخلاف بين العالم والحرّ ومحور الصين–روسيا–ايران ايديولوجي أوّلًا؛ وهذا المحور هو استمراريّة، بعناوين وأزمنة وأفكار أخرى، لامبراطوريّة الشرّ السوفياتيّة، والنظام النازي، والأصوليّة الدينيّة التي حرّكت بن لادن وصحبه، أيّ لكلّ العقائد الظلاميّة التي واجهت الديموقراطيّات الليبراليّة سابقًا. اللين، في هذا النوع من الصدامات، ضعف؛ والفاشيّون يشتمّون الضعف الليبرالي، ويراهنون عليه. ولو صدقت الأخبار عن أنّ بوتين يقترب من اجتياح اوكرانيا، ثمّ تخاذل الغرب، سيكون الباب مفتوحًا للمزيد من العدوانيّة والارهاب في العالم. أبعد من أعمال بوتين نفسها، ما يهدّد السلام العالمي اليوم هو فشل الغرب بالردّ عليها كما تستحقّ.