شربل نوح
من المتعارف عليه في كلّ المجتمعات الديموقراطيّة أنّ المجموعات السياسيّة تقوم على أسس واضحة أهمّها الانسجام الفكري بين المنضوين فيها. ولكن ما يجري عندنا في لبنان منذ فترة مختلف، حيث يعمد البعض لإطلاق حركات سياسيّة ناشئة تحت مسمّيات مختلفة، و ينضوي تحتها ناشطون لا يجمعهم الكثير غير هدف الوصول إلى السلطة. بمعنى آخر، يُنشئ هؤلاء الإطار السياسي أوّلًا، و من بعده يأتي "الجمهور"، وأخيرًا، ورقة سياسيّة تتضمّن بعض الشعارات العامّة التي لا تقارب المواضيع الخلافيّة الأساسيّة. ثمّ تطلق الحركة على نفسها صفة "التغييريّة"، وتبدأ بتلميع صورتها في الإعلام، لتكتمل بهذا عدّة خوض الغمار السياسي. الحقيقة، وبصراحة، الارتياب تجاه هذا النوع من المسارات مشروع. ومن المعروف أنّ تسويق المجموعات السياسيّة بأيّ دولة يتطلّب الكثير من الأموال و الجهد و تسخّر له إمكانات هائلة. لن يسخّر أحد إمكانات ملحوظة لحركات سياسيّة دون هدف محدّد. فما الهدف في هذا التوقيت الدقيق من إطلاق مجموعات بعضها يبدو مشبوهًا؟
لا شكّ أنّ المعركة مع السيادييّن في لبنان اتّخذت أشكالًا و مسارات متعدّدة من القمع المباشر، إلى الاغتيال السياسي، وصولًا إلى شرذمتهم بالترغيب والترهيب و ضربهم من الداخل كما حصل من قوى الرابع عشر من آذار. هذا المسار الالغائي للقوى السياديّة ليس غريبًا عن نشأة بعض المجموعات الجديدة، ولا نقول كلّها لأنّنا نحترم رغبات بعضها الصادقة بتغيير واقعنا الأليم. بوضوح أكثر، نرى أنّ هناك من سعى بعد انتفاضة 17 تشرين لخنق أيّ صوت سيادي داخلها للحوؤل دون تحوّلها إلى ثورة أرز ثانية. من هنا، تمّ دسّ قادة رأي سابقين في 8 آذار معروفين بارتباطاتهم بين الثوّار عملوا أوّلًا على احتكار الانتفاضة و تنصيب أنفسهم قادة لها من خلال طرحهم الشعارات المطلبيّة التي تدغدغ مشاعر اللبنانيّين في الظرف السيء الحالي، وثانيًا على مهاجمة القوى السياديّة لإخراجها من الانتفاضة. هذا سيّئ بما يكفي طبعًا، ولكنّ الأسوأ أن يكون لا عمل لبعض الجماعات سوى مهاجمة الأحزاب السياديّة، و محاولة إلحاق الهزيمة بها في الانتخابات المقبلة، علمًا أنّ هذه الجماعات لم تقدّم حتّى الآن بديلًا سياسيًّا واضحًا، ما زالت عناوينها ضبابيّة.
هذا المسار استمرار للنهج المعادي لثورة الأرز التي طردت الاحتلال السوري من لبنان عام 2005. الوسيلة تغيّرت، والشعار، ولكنّ الرغبة بضرب النزعة السياديّة اللبنانيّة هي هي. لذا على اللبنانييّن التنبّه في الانتخابات المقبلة و عدم الانجرار وراء الشعارات الغوغائيّة لأنّ مصير البلاد على المحكّ. القوى السياديّة ليست معصومة أو منزّهة، صحيح، ولكنّ هزيمتها لو حصلت ستكون نحرًا لنا جميعًا. وللحديث تتمّة.