هشام بو ناصيف
بأيّ معيار، الغاء الحفل الغنائي الذي كان مقرّرا بالعشرين من الشهر الجاري في صيدا فضيحة. المنع بحدّ ذاته كارثة، ولكنّ الأسباب الموجبة للمنع أسوأ بعد، وهي، بحسب بلديّة صيدا:"تداركاً للفتنة، ونظراً لأنّ الأوضاع لا تسمح في ظلّ الظروف، والوضع في غزّة، وفي ظلّ التخوّف من تطوّر الأمر وحصول ما ليس في الحسبان". نعلم سلفا أنّ رجال دين لا بدّ أن عارضوا الحفل لأنّ معاييرهم لما هو لائق وغير مثير ل"الفتنة" يجعل عمليّا من أيّ شيء غير الأناشيد الدينيّة مثيرا لها. نعلم أيضا أنّ النواب التغييريّين لن يتصدّوا لفرض هذا القدر من المحافظة الاجتماعيّة على ثالث أكبر مدينة في لبنان، وعاصمة جنوبه. وعندما طرحت قوى سياسيّة تمكين بيروت الأولى والثانية من انتخاب بلديّتين منفصلتين، التقى تغييريّون مع ممناعين على رفض الطرح لأنّه "طائفي". أمّا أن تمنع بلديّة صيدا بحجج من ضمنها الوضع في غزّة حفلا رفضته "الجماعة الاسلاميّة"، فهذا الأمر ليس طائفيّا بطبيعة الحال. وأن يضطرّ عبد الكريم فوّاز، رئيس الشركة المنظّمة للحفل للتوضيح أنّ شركته "لا تروّج للفسق والفجور" كما اتّهموها، فهو سيترك وشأنه دون أن يتضامن معه من يفترض أنّهم انتخبوا ليكونوا صوتا أخلاقيّا ليبراليّا ضدّ تغوّل الرجعيّين على ما بقي من مساحة فرح في لبنان، ولو أنّ هناك من هدر دم فوّاز على مواقع التواصل الاجتماعي. وأن تتعرّض النجمة الاستعراضيّة مايا نعمة لموجة انتقادات من جهات في صيدا باعتبار أنّ طريقة لباسها وفنّها تنافي "خصوصيّة المدينة"، فلن يخرج صوت ليقول للغيارى على قيم المجتمع أنّ أحدا لن يؤخذ عنوة للحفل: فليحضر اليه أو يمتنع عن الحضور كلّ حسب قناعته، دون وصاية من أحد.
وعموما، لا بأس. صحيح أنّ المهرجانات والسياحة الصيفيّة ليست بديلا عن الاقتصاد الحقيقي، لكنّها تعطي جرعة دعم تحتاجها الاقتصادات المحليّة بشدّة. المناطق التي تسمح للمحافظة الاجتماعيّة الشديدة بادارة أمورها تعاقب نفسها بنفسها. أكثر من ذلك: المنطق الذي يحرّك بلديّة صيدا، ورجال الدين فيها، و"الجماعة الاسلاميّة"، لا يتوقّف عند حدود صيدا. على سبيل المثال لا الحصر، يمكن الاتّكال على نفس هذه القوى لمعارضة الزواج المدني الاختياري في لبنان. وستكون هذه المعارضة ناجحة، أقلّه ما بقي الحكم مركزيّا. بالمقابل، لو نتحوّل الى النظام الفدرالي، فلا مشكلة ساعتئذ بمنطق "الخصوصيّة المحليّة". فلتمنع بلديّة صيدا عندها ولو صوت فيروز عند الصباح لو أحبّت. المهمّ تحرير المناطق الأخرى من تبعات هويّات ليست هويّاتها، وخيارات لم تكن خياراتها يوما، وهيهات أن تكون.