هجاء المعارضة الزائفة

هشام بو ناصيف

كوارث الشعوب فرص انتهازيّيها، ولبنان ليس استثناء. إن كان الوجه الأوّل للمأساة التي نعيش هو صور شهدائنا في المرفأ، وفقرائنا الباحثين عن قوتهم بين القمامة، وطوابير الساعين وراء فيزا أمام السفارات، فالوجه الآخر للمشهد نفسه هم الباحثون عن تحويل كلّ ما سبق إلى فرصة للبروز السياسي. يقدّم هؤلاء أنفسهم كبديل عن النخبة الحاكمة، وهم استمراريّتها (غير) الأخلاقيّة. يقدمّون أنفسهم كمعارضة، وهم منتحلو صفتها. المعارضة، تعريفًا، تواجه النظام؛ وللنظام اللبناني نواة صلبة معروفة. لا، هذه النواة الصلبة ليست "حكم المصرف". ولا هي "المنظومة"، هكذا، بالمطلق. السياسيّون والمصرفيّون الفاسدون طبقة النظام الخارجيّة؛ كان تحجيمهم ممكنًا عام 2019، لولا العنف المباشر لنواته. عن فرق الموت أتحدّث، وعن كواتم الصوت. هؤلاء السلطة الحقيقيّة في لبنان، والباقون قشرتها. تطلب هذه السلطة من زبانيتها أن ينتخبوا فلانًا رئيسًا، فيفعلون. تطلب منهم إعطاءها شرعيّة في البيانات الوزاريّة، فيمتثلون. تأمر بقانون انتخابات يضمن لها الغالبيّة في مجلس النوّاب، فيكون لها ما تريد، وهكذا بكلّ المواضيع. وداعة زبانية النظام تجاه نواته خيانة؛ ولكنّ خيانة أخرى يرتكبها كلّ يوم "معارضون" يهجون الكومبارس، ويصمتون عن محرّكي الدمى. الحال أنّ المعارضة الزائفة ألعن من الموالاة الصريحة؛ الرهان عليها بالانتخابات القادمة إن حصلت، وبأيّ استحقاق آخر بالتأكيد خائب، وتمديد للمأساة.

هناك أمور معقّدة بالسياسة، ولكنّ التفريق بين المعارض الحقيقي والزائف في لبنان ليس منها: الفيصل هو الموقف من السلاح غير الشرعي. كلّ من يتجنّب المسألة، ثمّ يقدّم نفسه كمعارض، كذّاب. نقطة، انتهى. هناك من يكذب على اليمين عبر طرح مسألة النظام من خارج مسألة السيادة. هناك من يكذب على اليسار بايهام الناس أنّ الاصلاح الاقتصادي – الاجتماعي ممكن في ظلّ السلاح غير الشرعي. هؤلاء، كما أولئك، يختلفون على خطاب الوصول، ويلتقون على الوصوليّة. أن نقول أنّ من ليس سياديًّا ليس معارضًا تحصيل حاصل، ولكن هناك ما هو أكثر: عندما يكون القرار الوطني سليبًا، من ليس سياديًّا أداة الخارج ضدّ شعبه. الأمور بهذا الوضوح.

هل التغيير ضروري في لبنان؟ أكيد، وعلى مستويين: 1) النظام السياسي وآليّات انتاج النخب؛ 2) العقد الاقتصادي – الاجتماعي ومسألة إعادة التوزيع. ولكنّ هذه المسألة كما تلك تفترض نضالًا سياسيًّا وتعبئة شعبيّة، والعنف السياسي يعطّلهما. بيننا وبين "الفاسدين"، و"المنظومة"، و"حكم المصرف" من يحتاج إلى كلّ ما سبق من أجل استمراريّة ستاتيكو مناسب له تمامًا، ولمحرّكيه الاقليميّين طبعًا. هذا المنطق الذي يزعم مواجهة "المنظومة" ويسكت عن حاميها جدير وحسب بدجّالي السياسة ومشعوذيها. هؤلاء ليسوا قوى "بديلة"، بل النظام اللبناني لحظة إعادة انتاجه. من يعطيهم ثقته عند أيّ استحقاق يساهم بتأبيد المأساة. اسقاط "المعارضة" غير السياديّة بالانتخابات القادمة لو حصلت يوازي أهميّة إسقاط الموالاة الصريحة. الفرق بين الاثنين معدوم أصلًا، عدا الاحتقار الأكبر الذي يستحقّه منتحلو الصفة.