السيادة والقوى البديلة: أوهام اليمين واليسار

هشام بو ناصيف

لا أعلم كيف أترجم بدقّة كلمة (Escapism) إلى العربيّة. أقرب ما يخطر على البال هو الهروب من الواقع، أو الطلاق معه. تختلف قوى بديلة في لبنان اليوم على وجهة هذا الهروب، ولكنّها تلتقي على وهم التغيير من خارج السيادة واستعادة الدولة. عن أصحاب الخيار الاثنو-كونفدرالي (يمينًا)، أو مجموعات يسارويّة مختلفة أتحدّث.

بحسب الاثنو- كونفدراليّين، مسألة السيادة وسلاح حزب اللّه وجع رأس لا ضرورة له. الحلّ سهل: نأخذ "مناطقنا"، وليأخذ الحزب "مناطقه"، وكان اللّه يحبّ المحسنين. إن كان الحزب يرغب بالحفاظ بسلاحه، ليفعل. لماذ نأبه طالما أنّه يفعل ذلك عنده، لا عندنا؟ المشكلة مع هذا المنطق متعدّدة الأوجه: أوّلًا، الحزب يريد مناطقه و"مناطقنا" معًا، أي السيطرة على البلاد كلّها، وذلك لأسباب عديدة، منها ضريبيّة–ماليّة، باعتبار أنّ أيّ دراسة ولو سريعة للعوائد الضريبيّة في لبنان تظهر بوضوح أيّ مناطق تدفع الضرائب، وأين تصرف. لهذا السبب، وأسباب أخرى كثيرة، الستاتيكو المركزي الحالي مناسب تمامًا للحزب، والرهان على غير ذلك سراب. يعني ذلك أنّ لا تغييرًا جذريًّا في النظام السياسي اللبناني في ظلّ موازين القوى الحاليّة. ولعلّ تعديل هذه الموازين ممكنًا، ولكنّ هذا يفترض نسج شبكة تحالفات داخل لبنان، وفي الاقليم؛ باستثناء طبعًا أنّ المشروع الاثنو-كونفدرالي يجعل هذه التحالفات مستحيلة، لأنّ أحدًا لا يريده غير أصحابه. ثانيًا، للسلاح المخزّن في مناطق سيطرة الحزب وظيفة اقليميّة. من يظنّ أنّ الضاحية ممكن أن تكون منغمسة بحرب كحرب الـ 2006، مثلًا، بينما تستقبل الكانتونات المجاورة مسابقة ملكة جمال العالم، وتعجّ بالسيّاح، يتعمّد الطلاق مع الواقع. هذا هو اسكابيزم اليمين.

أمّا اسكابيزم اليسار، فيفترض امكانيّة الاصلاح ومحاسبة المنظومة، ولو بقي السلاح. بحسب هذا المنطق، الأولويّة اليوم للمسألة الاقصاديّة–الاجتماعيّة ومحاسبة الفاسدين. طرح مسألة السلاح يضيّع البوصلة، فضلًا طبعًا عن أنّ سحبه غير ممكن، ممّا يعني أنّ الجهد يصرف على ما لا طائل منه. لا يكلّف هذا المنطق نفسه عناء الاجابة على أسئلة بسيطة من نوع: كيف يمكن لأيّ دولة أن تصلح حالها اقتصاديًّا، إن لم تسيطر على حركة قدوم الناس والبضائع عبر حدودها البرّيّة والبحريّة والجويّة؟ وكيف يمكن للبنان أن يسيطر على الحدود بغياب حصريّة السلاح؟ أو أيضًا: كيف يمكن إصلاح الحال وقد بتنا "ناركو–ستايت" أي دولة يقوم اقتصادها على تجارة المخدّرات والكبتاغون؟ أو أيضًا: أمّا وأنّ هذه المنظومة الفاسدة ضرورة سياسيّة لاستمراريّة النواة الصلبة للنظام اللبناني، فكيف يمكن تغيير هذه المنظومة جديًّا إن كانت تحظى بحماية السلاح غير الشرعي؟ هذه المسألة بالتحديد ليست نظريّة، بالمناسبة. ألم تجرّب عاميّة 2019 مقارعة النظام؟ من أرسل زبانيّته لكسرها؟ من حطّم ظهرها على وقع هتافات "شيعة، شيعة، شيعة"؟

يحكم آل الأسد سوريا منذ العام 1970. هل حصل "إصلاح" فيها، طوال هذه العقود؟ هل حصل تغيير، ما عدا انتقال السلطة من الأب الى الابن، عام 2000؟ إن كان الجواب أن لا، وهو كذلك فعلًا، فلا تغيير عندنا أيضا في ظلّ حكم حلفاء آل الأسد. بمعنى آخر، لا تغيير في بلد محتلّ؛ واستطرادًا، من يبغي التغيير فعلًا، فعليه بالنضال السيادي أوّلا. الواقع المرير ليس عذرًا للطلاق معه.