معادلة "إمّا/أو": من مغالطات الخطاب السياسي اللبناني

سامي فارس

كثرت في المرحلة الاخيرة استعمال مغالطة "إمّا/أو" في الخطاب السياسي اللبناني، وهي أسلوب خطابي يقوم على حصر عدد وافر من الخيارات الممكنة باثنين فقط، ثمّ اقناع المتلقّي بأنّ ما حصل، ولو سيّئًا، كان بالحقيقة خيارا حكيما باعتباره أهون الشرّين. تمثّل معادلة "إمّا/أو" معضلة زائفة بمعنى أنّها تصوّر واقعًا معقّدًا على طريقة "أبيض أو أسود" بغضّ النظر عن درجات عدّة من الألوان المختلفة بينهما.

مثلًا، يكرّر التيّار الوطني الحر الزعم منذ أشهر أنّ أمام واحدنا خيارًا من اثنين: إمّا أن يكون موافقًا على أداء القاضية غادة عون، أو يكون تلقائيًّا داعمًا للفساد. كما استعمل التيّار هذا الخطاب مجدّدًا بعد أحداث عين الرمانة حيث وضعنا الوزير جبران باسيل أمام خيارين: إمّا اتّفاق مار مخايل، أو أحداث الطيّونة، وهذا أيضاً مثل واضح عمّا تؤدي إليه هذه المغالطة من تضليل للمستمع. ألا يمكن أن يكون واحدنا مثلًا ضدّ اتّفاق القبول بسلاح حزب اللّه (مار مخايل) وتسليم لبنان له، وفي الوقت عينه، ضدّ أن يقاتل اللبنانيّون بعضهم بعضًا (الطيّونة)؟

كما استعملت المغالطة عينها في خطاب الرئيس سعد الحريري، حين أعلن انسحابه من الحياة السياسية، حيث برّر تسوياته المتكرّرة مع حزب اللّه بالسعي لتجنّب الحرب الأهلية، موحيًا تاليًا أنّه لا يوجد وسيلة أخرى لتفادي الحرب سوى التسويات. ماذا لو كانت هذه التسويات حافظت على السلاح غير الشرعي، وهو من عوامل الاستقطاب الطائفي في لبنان، وتاليًا، من أهمّ أسباب العنف حاليًّا ومستقبلًا؟

مثل آخر: إمّا أن نكون مع سلاح المقاومة، أو مع اسرائيل. إمّا أن ندعم تدخّل حزب اللّه في سوريا، أو نحن غير مبالين بدخول داعش إلى لبنان . ماذا لو كنّا ضدّ كلّ الاحتلالات، إسرائيليّة، وإيرانيّة أيضًا؛ وماذا، أيضًا، لو كنّا ضدّ التدخّل في سوريا، ومع دعم الجيش لحمايتنا من داعش، لا أيّ جهة أخرى؟ لا تناقض موضوعي بين هذه المواقف، ولكن معادلة "إمّا/أو" تنفيها من أصلها.

ومع احتدام الجدل كما يحصل دومًا قبل الانتخابات، يتصاعد دجل الخطاب السياسي اللبناني تدريجيًّا. وكلّ الأمل أن ننتبه عندما ترد أمامنا مغالطة "إمّا/أو"، أنّها مجرّد فخّ ينصبه لنا سياسي يحاول تبرير ما لا يُبرَّر.