هل من حلّ لما وصلت إليه الأمور اليوم ؟

جورج رطل

بعيد الإنتخابات النيابيّة جاء من يقول إنّ المعركة الكبرى تكمن في انتخاب رئيس جمهوريّة سيادي حيادي ونظيف الكفّ لديه مشروع إنقاذي، حتّى وصل الأمر بالبعض القول إنّ محاولات إيصال أيّ رئيس تابع للمحور الإيراني ستتمّ مجابهته بكلّ الطرق حتّى تعطيل النصاب.

اليوم وقد تبدّلت الصورة عبر إتمام جلسة إنتخابيّة أشبه ببروفة، لإسقاط مشروع انتخاب رئيس سيادي، عبر فضح تململ وتضعضع الجبهة المقابلة لحزب اللّه وحلفائه، بتنا أمام أمر واقع جديد، وهو تأجيل انتخاب رئيس للجمهوريّة إلى أجل غير مسمّى، وسط هيمنة تامّة على الشؤون الخارجيّة  لدويلة حزب اللّه التي تفاوض باسمنا، وقد أبرمت إتّفاقًا مع إسرائيل لا نعرف عنه سوى أنّه على الأرجح تمّ عبر الوسيط الأمريكي .

إذًا، الإدارة الحاليّة في البلد مع قرب انتهاء عهد ميشال عون هي عبر حكومة شكليّة مستقيلة من مسؤليّاتها. 

لذلك و بالمحصّلة، دخلنا مرحلة الفشل الكلّي لما يسمّى دولة الطائف، إذ الإدارة المركزيّة معطّلة كليًّا، والإدارة الذاتيّة لحليف إيران تتابع ممارسة سلطتها دون أيّ رادع، لا بل مدعومة من أفرقاء جاهزين لمدّها بالدعم المعنوي والسياسي حين يجب.

هنا يتوجّب على كلّ فرد في هذا المجتمع وإن أراد أن يبقى حرًّا إلى حدّ ما أن يطرح على نفسه السؤال الكبير:

ما هو السبيل لنعبر إلى نظام ما يضمن حريّتنا وثقافتنا ويؤمّن مستقبلًا مزدهرًا للأجيال القادمة؟

تأتي الفدراليّة لتجاوب على قسم كبير من هواجس من لا يزال يؤمن بنهائيّة الكيان اللبناني. فبداية لا بدّ من تعريف النظام الفدرالي من الناحية الدستوريّة: الدولة الفدراليّة هي" إتّحاد دول يخضع جزئيًّا لسلطة مركزيّة واحدة، أي السلطة الفدراليّة التي تحتفظ باستقلال ذاتي دستوري واداري وقضائي واسع . وتنشأ بظلّها تعدديّة دستوريّة وفق تراتبيّة محدّدة، على رأسها الدستور الفدرالي، ثمّ تتبعه دساتير الوحدات المحليّة . إنّ ميزة الفدراليّة تكمن في أنّها توحّد جماعات بشريّة مختلفة، وتحترم في الوقت نفسه، تنوّعها. فالفدراليّة أفضل ضمانة للحقوق الفرديّة والجماعيّة، كما أنّها خير ضمانة للنمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لأنّها توفّر الموارد الإقتصاديّة والبشريّة للجماعات... وهكذا، تبدو الفدراليّة منتظم سياسي قادر على ضمانة الحرّيّات والحقوق الفرديّة والجماعيّة في آن، وعلى مساعدة الدولة المركزيّة على تجاوز الصعوبات، وإشباع رغبات مواطنيها، والاستجابة لمتطلّبات الحياة العصريّة، فهي وسيلة توحيد حيث يسود التنوّع، ووسيلة تنوّع وإغناء حيث ترخي الوحدة بثقله." (مقتبسات من الفدرالّية الإتنوجغرافيّة في لبنان، إقتراح نظام سياسي ودستوري جديد للبنان للمحامي إدغار قبوات، 2022).

ختامًا ولتأكيد صوابيّة الخيار الفدرالي، نشأت مبادئ الفدراليّة نتيجة التوفيق بين الوحدة من جهة، والتنوّع من جهة أخرى ومصالحة مبدأ الاستقلال الذاتي مع مبدأ المشاركة. فبالنسبة لمبدأ الاستقلال الذاتي، تحتفظ الجماعات المكوّنة للدولة الفدراليّة باستقلالها الذاتي، حيث لها سلطة حكم نفسها بنفسها، وإدارة شؤونها بحرّيّة في إطار الوضع الدستوري الممنوح لها كما سبق وذكر.

ولأن من يفترض أن نعتبره شريكًا أساسيًّا في الوطن أخذ نفسه إلى حالة مستقلّة عن باقي مكوّنات المجتمع على الصعيد الإجتماعي والمالي والإداري وحتّى الأمني والحقوقي، وفرض علينا نمطيّة نظامه وسياسته الدفاعيّة والخارجيّة، حتّم علينا بذلك طرح هكذا حلّ على الطاولة، على أن يؤخذ من الزاوية التوحيديّة للصيغة اللبنانيّة وكحلّ نهائي لإدارة المناطق.