هل نحن عنصريّون؟

هشام بو ناصيف


قبل أشهر، طفى على سطح مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مقزّز لملّاك في العاقورة يضرب عمّالا سوريّين ولبنانيّين بأدوات حادّة وأسلاك كهربائيّة. أثار الفيديو موجة استنكار واسعة –مستحقّة تماما– وعادت النغمة القديمة/الجديدة عن عنصريّة مفترضة تحرّك اللبنانيّين تجاه السوريّين. الملفت أن حتّى المفكّرين الذين يدافعون عن التجربة اللبنانيّة كما كانت عليه يوما ويأسفون لسقوطها، يقرّون بأن في مجتمعنا نزعات عنصريّة تحرّكه. فهل نحن عنصريّون فعلا؟

قبل الجزم بتجريم اللبنانيّين جماعة، أزعم أنّ النقاط التالية مفصليّة في النقاش. أوّلا، بقدر ما كانت حادثة العاقورة صادمة، كانت أيضا خارجة عن المألوف. كمتابع يومي للتطوّرات اللبنانيّة، يندر أن أقرأ عن عنف لبناني ضدّ العمّال السوريّين. بالمقابل، الجرائم التي يتوّرط بها سوريّون يقيمون في لبنان ضدّ لبنانيّين تكاثرت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وهي تبدأ من حوادث النشل على الطرقات، وتصل الى القتل. من نافل القول أنّ هذه الأحداث على كثرتها لا تجرّم السوريّين جماعة؛ يبقى أنّ تحليل عواطف اللبنانيّين تجاه اللاجئين لا يستقيم بمعزل عن أعمال باتت تهدّد حياة الناس اليوميّة بالأحياء والشوارع. ثانيا، المنافسة التي تفرضها الأعداد الكثيفة للسوريّين في لبنان على الطبقات الشعبيّة اللبنانيّة خانقة. وضع الكتّاب والأكاديميّين والعاملين بمؤسسات تحظى بتمويل خارجي في هذه المسألة مختلف عن وضع النجّارين، والسبّاكين، والمساعدين المنزليّين، على سبيل المثال لا الحصر. هذا علما أنّ تمدّد النشاط السوري تخطّى منذ فترة الأعمال التي عرف السوريّون بها تقليديّا في لبنان، وبات واحدنا يلتقيهم كمدراء مطاعم، وأصحاب محلّات، وموظّفي مستشفيات، وما شاكل. ثالثا، أعداد الفلسطينيّين الذين قاتلوا بالماضي مع الفصائل الفلسطينيّة المختلفة بلبنان لم تكن كبيرة مقارنة مع حجم الوجود الفلسطيني ككلّ. لكنّ نجاح "فتح"، و"الصاعقة"، وسائر المنظّمات بتجنيد بضعة آلاف من المقاتلين كان كافيا لتفجير التناقضات اللبنانيّة وصولا للحرب الأهليّة. اليوم، بات عمر الوجود السوري الجديد أكثر من عقد، والأفق السياسي مقفل في لبنان كما في سوريا. ليس افراطا بالقلق السؤال عمّا ستؤول اليه أمور اللاجئين بعد عقد أو اثنين من الزمن، لو بقوا عندنا. أقليّة فقط من السوريّين توالي المنظّمات المتطرّفة، دع عنك أي دعاية مغرضة تقول بعكس ذلك. ولكن أن يكون حجم الوجود السوري بمئات الآلاف، فهذه الأقليّة يمكن أن تكون عشرة آلف، أو عشرين ألفا، من القابلين للتجنيد في هذه المنظّمات. ولو حصل ذلك بعد سنوات، ستكون العواقب على اللبنانيّين وخيمة.

باختصار، القلق اللبناني من حجم الوجود السوري وكثافته مبرّر، سيّما أن شيئا لا يشي بفرج قريب، بل العكس. ومع تكرار الرفض الأخلاقي لتحميل كلّ السوريّين وزر موبقات بعضهم، والتذكير دوما أنّنا وايّاهم ضحايا المحور الاقليمي المجرم عينه، وأنّ المسؤول عن نهب اللبنانيّين فاسدون لبنانيّون، وأنّ الانسان انسان بغضّ النظر عن جنسيّته، أو دينه، أو لونه، أو جندره، أو ميله الجنسي، وأنّه بصفته هذه يستحقّ الاحترام، يبقى أنّ تحميل اللبنانيّين الى ما شاء اللّه تبعات بربريّة النظام السوري غير منصف. نقاش المسألة السوريّة ينبغي أن ينطلق أوّلا من مسلّمة أولويّة المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة على كلّ ما عداها، وأولويّة اللبنانيّين بخيرات أرضهم واقتصادهم. أمّا وأنّ اللبنانيّين عموما، وفقراءهم خصوصا، يتحمّلون ما يتحمّلون في أمنهم واقتصادهم، ثمّ يستسهل كتّاب وأرباب أخلاق حميدة تقريعهم ل"عنصريّتهم"، ففي الأمر وقاحة، وبمكان ما، استعلاء طبقي.