عن ايران وروسيا: المسار التراجعي سيستمرّ

هشام بو ناصيف

فرض الاتّحاد الأوروبي أمس الاثنين حزمة عقوبات جديدة على مسؤولين ايرانيّين، وأشار البيان الختامي لوزراء دول خارجيّة الاتّحاد الى دور ايران بزعزعة الاستقرار في لبنان، واليمن، وسوريا، والعراق. أتى هذا الموقف الأوروبي الجديد على خلفيّة سلسلة مواقف أوروبيّة سابقة تدين العنف الوحشي للنظام الايراني بمواجهة المتظاهرين الايرانيّين. يعني هذا أنّ المسافة التي كانت موجودة لسنوات في السابق بين الموقف الأوروبي المتساهل نسبيّا من ايران، والموقف الأميركي الأكثر حزما، تضيق. العزلة الدوليّة للنظام الايراني لم تكن يوما حادّة كما هي اليوم، ولا الأوضاع الداخليّة مضطربة الى هذه الدرجة. وقد تكون الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي يعاني منها النظام السوري منذ أسابيع واحدة من انعكاسات الضعف الايراني، باعتبار أنّ طهران لم تعد قادرة على دعم النظام التابع لها في دمشق كما كانت تفعل بالسابق، فضلا عن أنّها شديدة الانشغال بما يجري عندها أصلا.

في سياق متّصل، وافق الاتّحاد الأوروبي على اضافة ملياري يورو الى صندوق يستخدم لتسليح اوكرانيا. يعني هذا أنّ الموقف الأوروبي الداعم لكييف ثابت رغم الأوضاع الاقتصاديّة غير المريحة في فرنسا ودول أوروبيّة أخرى، علما أنّ الخسائر الروسيّة العسكريّة في اوكرانيا مستمرّة. وليس بدون معنى اعلان الكرملين أمس الاثنين أنّ فلاديمير بوتين لن يعقد مؤتمره التقليدي في نهاية العام، وهذا مفهوم تماما وسط الانتكاسات العسكريّة الروسيّة المستمرّة، وفشل موسكو بتخويف الغرب عبر التلويح بالورقة النوويّة.

كيف يعنينا كلّ ذلك؟ أوّلا، مع الاعتراف أنّ لحزب اللّه شرعيّة تمثيليّة حقيقيّة في وسطه الطائفي، لا ينبغي أن يغيب عن البال أنّ قدرته على السيطرة على لبنان لا تنطلق وحسب من التصاق الشيعة اللبنانيّين به، بل من الدعم الكبير الذي يتلقّاه من محور مقرّه ايران، وحليفته روسيا. هذا المحور الخارجي الداعم لحزب اللّه مأزوم. والأهمّ أن أسباب تراجعه بنيويّة، لا ظرفيّة، وهي غير قابلة للاصلاح. بالحقيقة، النظام الايراني ليس شرعيّا بنظر شعبه، وهول العنف الذي يستخدمه للبقاء بالسلطة من ضعف شرعيّته الشعبيّة. وان نجحت السعوديّة بالمضي قدما بتطوير اقتصادها ومجتمعها عموما، فكراهية الجيران الايرانيّين لنظامهم الذي أفقرهم، بينما تقدّم الجوار، ستزداد. أمّا الاقتصاد الروسي، فقائم أساسا على بيع النفط والغاز، لا التكنولوجيا المتطوّرة، واستسهال الأوروبيّين سدّ حاجاتهم للطاقة بواسطة روسيا بات من الماضي. ومع أن مساحة روسيا أكثر من عشرة بالمئة من العالم، الّا أنّها بالكاد تساهم بواحد بالمئة من الناتج القومي العالمي، والسنوات القادمة ستضعفها أكثر بعد أن دخلت علاقاتها بالغرب نفقا لزمن لن يكون قصيرا.

لا يعني ما سبق أنّ انهيار النظامين الايراني والروسي بالضرورة قريب، أو حتّى حتمي. النظامان باقيان ما بقيت آلاتهما القمعيّة مواليّة لهما. بالمقابل، لا يمكن أن يستمرّ ضعف النظامين الروسي والايراني لسنوات بعد، دون أن ينعكس هذا المسار المتراجع سلبا  على نفوذهما الخارجي، وتاليا ايجابا على الأوضاع اللبنانيّة. وبانتظار ساعة الفرج هذه، الأولويّة  نظريّا لمساعدة الفئات الأكثر هشاشة في مجتمعنا على الصمود الاقتصادي - الاجتماعي. أقول نظريّا لأنّ النخب الحاكمة بمكان آخر.