زحلة مِقبرة الأحزاب

إدمون الياس بخّاش

رُبَّ معترضٍ على مقولة " زحلة مِقبرة الأحزاب" بحجة أن البيئة الزحليّة تغيّرت وتبدّلت مع الزمن وأنّ العمل الحزبيّ والهيمنة الحزبيّة على الشارع الزحليّ باتت هي الأساس.

الحقيقة أنّ هذه المقولة يجب أن تكون صالحة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، ذلك أنّ التباينات الحزبيّة بخلفيّاتها الأيديولوجيّة والتي تتجسّد اليوم صراعًا على السلطة وعلى استقطاب الشارع، بخطاب شعبويّ عصبيّ، هي من الحدّة والشراسة بمكان باتت تهدد فيه بوضوح أمن المجتمع الزحليّ ذا الطابع المسيحيّ وأمن المدينة بأسرها. ذلك أنّ لبنان والمنطقة على مفترق طرق خطير وليس لدى أحد من اللبنانيين ترف الوقت للمشاحنات والخلافات السياسيّة ذات الأفق الضيّق.

ليعلم الجميع أنّ الزحليين لم يكونوا يومًا في تاريخهم إلّا متحزّبين، إن لم يكن للأمير فللعائلة واليوم للمؤسسات والتيّارات الحزبيّة.

ولكن عندما يدقّ الخطر على أبواب زحلة ليهدّد أمنها وسلامة أبنائها بأيّ شكل من أشكال التهديد وعلى أيّ مستوىً كان، فإنّ أيّ تحزّبٍ يجب أن يسقط أمام التحزّب لزحلة ولمصلحة زحلة وأهل زحلة وتاريخ زحلة.

لطالما كان الزحليّون أذكياء في تدبير شؤون مدينتهم وفي التعاطي مع المحيط ومع الأحداث الطارئة. ففي سنة 1860 وقبل حصول المجزرة، طُلب إلى المسيحيّين تسليم سلاحهم، فعل المسيحيّون ذلك في كلّ لبنان عدا زحلة، فرفضت أن تسلّم سلاحها وواجهت به العدو ساعة الغدر ودافعت عن عزّتها وكرامتها. والسلاح ليس فقط البندقيّة والرشّاش والمِدفع، فالعلم سلاح والوعي سلاح والأخلاق سلاح والوحدة سلاح والإيمان سلاح والرجولة سلاح.

هكذا أفهم مقولة "زحلة مِقبرة الأحزاب" لا كُرهًا بالأحزاب وبالعمل الحزبي، بل تماهيًا ونتاغمًا مع تاريخنا وثقافتنا الزحليّة الشريفة التي تربّينا عليها ورضعناها من صدور أمّهاتنا.

كلّ من يدّعي بطولةً أو غيرةً على زحلة ولا يعمل لوحدة الصف الزحليّ ولوحدة أبناء زحلة ووحدة مسيحيّيها هو منافق كذّاب ولا يمتّ لزحلة ولأخلاق الزحليّين الأصليّين بصلة.

كفانا مزايدات ولنتّعظ من دروس الماضي كي لا نعيد تكراره. كفانا عُجبًا زائفًا و"عنفوانيّات" لا تمتّ إلى الواقع بصلة وللنتأهب للعمل يدًا واحدة وصفًّا واحدًا كلٌّ من موقعه وعلى قدر إمكانيّاته لمصلحة زحلة دار السلام.