دفاعًا عن الأشرفيّة

جوي لحود

تخرج دوريًّا أصوات تنتقد ظاهرة الشباب المنظّم في الاشرفيّة، غامزة من باب المناطقيّة والطائفيّة وذكريات الحرب الأهليّة.

حبّذا لو كان من بين هؤلاء من يتحلّى بالجرأة الأدبية لانتقاد من دخلوا الأشرفيّة قبل أيّام دخول الدبابير الغازية. فبدل من وضع الاصبع على الجرح وتسمية الغزاة باسمائهم، ذهب البعض الى تشتيت الانظار وتحوير المشهديّة عبر تسليط الضوء على صور مجموعة من شبان الاشرفيّة يحملون الصلبان، بما أوحى أنّ المعتدي والمعتدى عليه سيّان..

لنضع جانباً من هم هؤلاء الشبان وبماذا يلقبّون أنفسهم، وبماذا يؤمنون وكيف يظهرون؛ كيف يمكن وضع هذه الصورة بنفس خانة غزوة الدراجات النارية؟ هل ذهب شباب الأشرفيّة الى الضاحية، مثلا، لاستفزاز الناس؟ لم يفعلوا ذلك، بل أتى (مجدّدًا) من يستفزّهم بعقر دارهم. مع ذلك، يحاول خبثاء تحوير الانظار من الفعل الى ردّ الفعل أو المظهر الايماني عند بعض أبناء الاشرفية، علّه ينجح بوضع الجميع بخانة واحدة ما يعني عمليّا رفع المسؤوليّة عن الرعاع الهاجم على الأشرفيّة وتوزيعها بالتساوي بينهم وبين أبنائها، أي بين المعتدي وضحيّته..

أن يتم وضع شبان الاشرفية المتأهبّين للدفاع عن منطقتهم دون أن يعرف عنه مرّة الاعتداء على منطقة أخرى، بنفس الخانة مع مرتزقة الميليشيات المسلّحة الدينيّة التي تختطف لبنان وتمارس شتّى أنواع الأعمال الإرهابيّة والترهيبيّة بحق البلاد والعباد تحت راية عقائد مستوردة، فهذا اقلّ ما يقال فيه أنّه تعميم خبيث يخفي نيّة التعمية. وهذا أسلوب منتشر عند الرمادييّن، وما أكثرهم عندنا. لا يتجرّؤون على انتقاد فئة، فيعمّمون المشهد ويشملون الجميع، علّهم يظهرون بمظهر موضوعي. من هذه المدرسة شعار "كلن يعني كلن" ، بالمناسبة.

نسي روّاد الرماديّة الدائمة غزوة الدراجات في الأشرفيّة، كما نسوا سابقًا الهجوم على على عين الرمانة، وبات الحديث مركّز على الهويّة المسيحيّة لشبّان الأشرفيّة. غريب جدّا ان تصبح هي أم المشاكل والهموم! بالحقيقة، ليست هويّة الأشرفيّة الايمانيّة هي المشكلة، بل القتل باسم الدين، والقمع باسم العقيدة، والسعي العلني الى اقامة مشروع دولة دينيّة في لبنان، والاغتيالات السياسيّة المتكرّرة، وترسانة السلاح غير الشرعي، والنيترات في المرفأ، والتورّط بالحرب الأهليّة السوريّة ... هنا جوهر مأساة لبنان، فما دخل شباب الأشرفيّة بكلّ ما سبق؟!

بمطلق الاحوال، وبغضّ النظر عن صور هؤلاء الشبّان وتسمية مجموعتهم وطبيعة توجهاتهم حول المسائل الاجتماعيّة، هم ليسوا الموضوع؛ الموضوع هو الاشرفيّة وأمنها. وكما هو ظاهر، سوف يجد المنتقدون دائما حجّة للانتقاد، أكانت راية دينيّة او مبادرة اجتماعيّة، لاثبات "اعتدالهم"، و"وطنيّتهم"، وسائر الشعارات الكبرى التي ليست أكثر من قناع للجبن، وكراهية الذات، ورفض الاعتراف ببديهيّات من نوع أنّ المتعدي والمعتدى عليه لا يصنّفان بخانة واحدة.

وقبل أسابيع، رأينا مبادرة ممتازة لشباب وفتيات يسهرون الليالي لحراسة شوارعهم وارزاقهم في الأشرفيّة بعد تكاثر النشل والسرقات فيها. للأسف، هذه المبادرة ايضاً أكلت نصيبها من السهام والتجريح، وكأنّ الهدف هو ايجاد أيّ ذريعة للتصويب على أيّ استعداد للصمود المحلّي بالمناطق المسيحيّة.

وعموما، أبناء الاشرفيّة كما سائر الناس يحقّ لهم أن ينتظموا لحماية أعراضهم بظلّ غياب المؤسسات الضامنة وبظلّ تفكّك هذه الدولة، التي يزعم البعض القدرة على تغييرها من الداخل، أي من ضمن النظام الحالي، وعبثا يبحثون. .

وان كان لي كلمة أوجّهها الى ابناء الاشرفية، فهي هذه: استمروا في جهودكم لحماية منطقتكم. تنظّموا، ونسّقوا في ما بينكم. كونوا العين ساهرة، ولا تتوقّفوا عند محاولات ذر الرماد في العيون . واذا كانت المناطقيّة تهمة، فلتكن! التهمة الأكبر بالحقيقة هي ان نسكت عن استباحة مناطق الأحرار تجنّبًا لانتقادات المتفرّجين المتفلسفين.