غزوة الأشرفيّة: كيف يحوّل معلّقون الضحيّة جلّادا


يستحقّ مقال نزار نمر الأخير بجريدة "الأخبار" القراءة، لا لأنّه جيّد، بل تحديدا لأنّ كلّ كلمة فيه فضيحة فكريّة ينبغي التوقّف عند معانيها. نزار نمر مذهول تماما لأنّ أبناء الأشرفيّة انزعجوا من عبارات التكبير قرب مغارة الميلاد على ساحة ساسين. لا ينبغي أن يحصل ذلك برأيه، كما لا ينبغي أن ينزعج أهل الأشرفيّة من العلم الفلسطيني لأنّ القضيّة الفلسطينيّة "أثّرت بالمسيحيّين ...بقدر ما أثّرت بغيرهم". أن يحتلّ تمثال بشير الجميّل موقعا أساس بقلب الأشرفيّة في ساحة ساسين، وأن يسكن بشير الى الساعة قلوب أبنائها لا يدفع نمر للانتباه أنّ مشاعره تجاه القضيّة الفلسطينيّة ليست بالضرورة مشاعر أهل الأشرفيّة تجاهها، وأنّه لا يستطيع فرض توجهّاته هو على سواه، ولكنّ المخرج النظري لهذه المسألة لا يزال هو هو منذ عقود: المسيحيّون الوطنيّون كلّهم مع فلسطين، ومن ليس معها بالضرورة رجعي وفاشي وانعزالي. (راجع مقالته: "الاعلام المهيمن كشف عن فاشيّته: حادثة "ساسين" أزالت الأقنعة"). ومن يتابع "الأخبار"، ينتبه كم يستسهل كتّابها استعمال عبارة "فاشيّة" لتقريع أخصامهم، ما يكشف أوّلا جهلهم بما هي الفاشية كمفهوم أوروبي غير صالح لمقاربة الاجتماع السياسي اللبناني، كما يكشف ثانيا وقاحتهم، باعتبار أنّهم كتبة يسترزقون في جريدة يهدّد رئيس تحريرها ابراهيم الأمين أخصامه ب"تحسّس رقابهم"، ومع ذلك، يلقون المحاضرات "الانتي-فاشيّة" على سواهم.

ميشال حلو (الكتلة الوطنيّة)، لم يكتب كلمة ضدّ غزوة الأشرفيّة عندما حدثت، ولكنّه (طبعا !) سارع للتعميم ضدّ "الميليشيات"، وزجر دعاة "التخلّف والانغلاق"، بمجرّد أن صارت ردّة الفعل على الغزوة. ما لم يوضحه الحلو: هناك ميليشيا يعرفها الجميع في لبنان، ولكن أين هي "الميليشيات"؟ واذا كان وجود ميليشيا يستتبع فعلا كردّ فعل ظهور "الميليشيات"، ألا يكون السياديّون على حقّ بوضع مسألة حصريّة السلاح بيد الدولة على قائمة الأولويّات، بينما يمعن "التغييريّون" أصدقاؤه برفض ذلك بحجج يختلط فيها المشبوه، بالساذج؟ السؤال نفسه يصحّ لكريم البيطار، مدير كليّة العلوم السياسيّة بالجامعة اليسوعيّة، الذي يطنب منذ سنوات بهجاء الفدراليّة، دون أن يكتب كلمة واحدة ضدّ الرعاع الذي يروّع اليوم الأشرفيّة، قبل أن يروّع رعاع آخر عين الرمّانة منذ زمن غير بعيد.

وفي هذه الأثناء، يتّهم نجاح واكيم مجدّدا بكركي بتخزين الأسلحة (راجع مقابلته الأخيرة على سبوت شوت/وجهة نظر)، وهو كان زعم سابقا أنّ الرهبانيّات تخبّئ السلاح في الأديرة. لا هذا الاتّهام ولا ذاك صحيح، ولكن الوقائع آخر ما يهمّ صاحب مقولة "طرقنا الموارنة" الشهيرة بعد اتّفاق الطائف، اختصاصي الايديولوجيّات البائدة، والطلاق مع الواقع باسمها.

بالشكل، لا شيء يجمع المواقف الأربعة. بالمضمون، كلّها قائمة على التعميم، والتعمية، ورفض تسمية الأمور بأسمائها، والطائفيّة المضمرة أو كراهية الذات، والذميّة. هذه المواقف، كما سواها، محاولات لتضليل الرأي العام. لن تنجح.

لبنان الفدرالي