هشام بو ناصيف - خليل الحلو لا يحبّ الفدراليّة

يخصّص سياديّون مثل السيّدين خليل الحلو وفارس سعيد قسما غير قليل من كتاباتهما لتوجيه سهامهما ضدّ الفدراليّة، مع أنّ الفدراليّين عموما سياديّون. تفاديا لخلافات سياديّة – سياديّة، يراقبها حزب اللّه ويضحك، كان يمكن للرجلين أن يتجنّبا الهجوم المستمرّ على الفدراليّين، وهو هجوم حتّى الساعة من طرف واحد، لأّنّ أولويّة الفدراليّين حزب اللّه، في حين يصرّ الحلو على مهاجمة الفدراليّة، والصاق أقسى النعوت بالطرح وأصحابه. لن يغيّر اداء الحلو وسعيد وسواهما أولويّات الفدراليّين: العدوّ في مكان آخر. ولكنّ السكوت عن الحملات ضدّنا باسم وحدة الصفّ السيادي لم يعد ممكنا، لاسيّما بعد أن بات واضحا أنّ وحدة الصفّ هذه آخر همّ الحلو، أو سعيد.

آخر بوست انتي- فدرالي للحلو أثاره تعليقا سمعه عن أنّ الفدراليّة يمكن أن تساعد بحلّ مشكلة الكهرباء. يقرّر الحلو أنّ الفدراليّة لن تساهم بذلك طبعا، مستعينا بسرديّات عن الفدراليّة بوصفها "مارونستان"، و"دروزستان"، الخ، حيث "زعماء المذاهب" يسرقون، والفساد يزيد، وصولا الى طرح الحلّ برأيه: "الدستور والقوانين وبس". بالحقيقة، من الغريب حقّا أن يختار الحلو مسألة الكهرباء بالذات للهجوم على الفدراليّة. للتذكير: كهرباء زحلة مشروع ناجح، ولعلّه الأنجح بلبنان. الفدراليّة تعمّم هكذا نموذج، وهذا مطلوب. ولكن أبعد وأهمّ من هذه المسألة تحديدا، نأمل أن يتّسع صدر الحلو للأسئلة والملاحظات التالية:

1) مائة عام مرّوا على النظام الحالي الذي يتمسّك به. ان لم يكن قرنا كافيا لتطبيق "الدستور والقوانين"، كم ينبغي أن ننتظر بعد؟ قرنان؟ ثلاثة؟ الجنون، تعريفا، هو استعمال نفس الوسائل، لمعالجة نفس المشاكل، ثمّ توقّع نتائج مختلفة. بوضوح: جرّبنا النظام المركزي الذي يدافع عنه الحلو، وفشل. العويل، والتفجّع، واطلاق التّهم جزافا، وتشويه جوهر الطرح الحيادو–فدرالي لن يغيّر بهذه النقطة شيئا، وسأكرّرها: بنهاية المطاف، جوهر ما يفعله الحلو هو الدفاع عن نظام وصلنا بظلّه الى ما وصلنا اليه.

2) استطرادا لمسألة تطبيق "الدستور والقوانين بس"، لا ينتبه الحلو أنّ من يطبّقها بأيّ مجتمع هي النخب الحاكمة. ولكن هكذا نظام في لبنان ينتج هكذا نخب. وليد جنبلاط بالنتيجة ليس زعيما بسبب انقلاب عسكري، بل عبر انتخابات عموما نزيهة. الأمر عينه صحيح بالنسبة لنبيه برّي، وجبران باسيل، وسائر المنظومة. هؤلاء انتخبوا بدل المرّة خمسة، أو ستّة. كيف يتوقّع الحلو ممّن حوّل القوانين الى خرقة ورق تطبيقها؟ سهل جدّا أن يكتب الحلو: "الدستور والقوانين وبس". ولكنّ آليّات انتاج النخب بالنظام الحالي لم تفرز غير نخب تحتقر هذه القوانين، والدستور قبلها. ان لم نغيّر آليّات انتاج النخب، عبر تغيير النظام، كيف نغيّر نوعيّتها؟ السؤال بديهي. ولكن الحلو يعظ بأن طبّقوا الدستور، دون أن يسأل نفسه من سيطبّقه، أي دون أن يعيد النظر بآليّات انتاج المسؤولين المفترضين عن تطبيقه. يسأل الحلو عن "شيعيستان" الفدراليّة: "الثنائي المسلّح يقتلع الفساد من جذوره؟" الجواب أن لا طبعا. ولكن الحلو لا ينتبه أنّ الورم الذي هو الثنائي المسلّح انّما نما بظلّ النظام المركزي الحالي. باختصار: هناك علاقة سبب – نتيجة بين نظامنا الحالي، ونخبه، ومنها الثنائي. كيف يريد الحلو تغيير النتيجة، مع الحفاظ على جذرها الذي أوجدها أصلا؟

3) أبعد من ذلك: هل يضمن الدستور حياد لبنان؟ الجواب أن لا، بطبيعة الحال. وماذا يعني أنّنا لسنا دولة محايدة؟ عمليّا، يعني ذلك أنّ وظيفتنا هي، منذ كانت بلادنا، أن نكون مسرحا لمعارك النفوذ الاقليمي. حاولت المارونيّة السياسيّة بالجمهوريّة الأولى تحييد لبنان عن الصراع العربي-الاسرائيلي، ولكنّ الهويّات العابرة للحدود أصرّت على التورّط به. اليوم، تصرّ هذه الهويّات على استتباعنا لايران. كيف يمكن لنا أن نقطع مع وظيفتنا كساحة لصراعات المنطقة بغياب الحياد؟ وكيف نصل الى الحياد اذا طبّقنا الدستور الذي لا ينصّ عليه؟

4) مشكلتنا الأساس ادارة تنوّعنا الطائفي. من الصراعات في القرن التاسع عشر، الى الحربين الأهليّتين بالقرن العشرين، الى الوضع الحالي، الصدام ليس بين يمين ويسار؛ ولا بين جنوب وشمال؛ ولا بين محافظين ولبراليّين. هو صراع بين موارنة ودروز؛ وبين مسلمين ومسيحيّين؛ وبين سنّة وشيعة. هذه هي الفوالق الرجراجة الثلاثة التي تتحرّك تحت سطح البلاد. للمرّة المليون: المجتمعات التعدديّة لا تدار مركزيّا. بوضوح أكبر: المجتمعات التعدديّة التي انتقلت من الحروب الدائمة الى الاستقرار، ثمّ الرخاء، فعلت ذلك عبر شكل من أشكال الفدراليّة. هذا صحيح من الهند الى بلجيكا، ومن كندا الى سويسرا. ولا يعني ذلك أنّ الفدراليّة حلّ سحري بالضرورة ناجح: هذا النظام لم يحافظ على وحدة يوغوسلافيا أو تشيكوسلوفاكيا. ولكن، قبل أن تفشل الفدراليّة بتنظيم التعايش بين المكوّنات هناك، فشل النظام المركزي أيضا. وفي الدول حيث لا تنجح حتّى الفدراليّة بالحفاظ على استقرار المجتمع، الطلاق أفضل.

5) أبعد من ذلك، هل يمكن أن يعطينا الحلو مثلا واحدا لدولة مركزيّة تقوم تعدديّتها على الفالق المسيحي – المسلم، وأدارته بنجاح؟ يمكن لنا نحن أن نذكّره أنّ قبرص كانت مركزيّة؛ والسودان أيضا. كيف انتهى العيش المشرك المسيحي المسلم في هذه الدول؟ الجواب: بالتقسيم. معادلة حياد+فدراليّة التي يشيطنها الحلو آخر محاولة جديّة في لبنان لتفادي نفس المصير.

ثمّة الكثير نقوله بعد عن منطق الحلو – سعيد. منذ سنتين، تجنّب الفدراليّون السجال معهما بسبب مواقفهما السياديّة، وهي جديرة بالاحترام. هذا انتهى.