هشام بو ناصيف - من اندونيسيا، وافغانستان، الى اليمن، وايران: عن الانتصارات الانتي-كولونياليّة

قرأت قبل أسبوعين خبرا عن اندونيسيا مفاده أنّ البرلمان أقرّ قانونا يجرّم ممارسة الجنس خارج الزواج، وهي خطوة اعتبرها منتقدوها تعديّا على الكرامة الفرديّة. ولكنّ المدافعين عن القانون الذي دعمته كلّ الأحزاب الكبرى ردّوا بأنّه انتصار لقيم اندونيسيا الأصيلة، وأنّه خطوة صوب استعادة هويّتها والتخلّص من الارث الاستعماري الهولندي. وزير العدل وحقوق الانسان ياسونا لاولي قال تحديدا :" آن الأوان لنا أن نأخذ قرارا تاريخيّا بخصوص القانون الجزائي يضع التشريع الكولونيالي الذي ورثناه وراءنا". بدوره، اعتبر باببنغ ويرانتو، المشرّع الذي قاد الحملة من أجل اقرار القانون الجديد أنّ :"القانون القديم ينتمي الى الميراث الهولندي ... تاليا، لا مكان له عندنا". ويعرّض القانون الجديد الملايين من الاندونيسيّين المتساكنين الى المساءلة القضائيّة. ومع أنّ القانون الجديد لا يشير الى المثليّين بالاسم، فهو يستهدفهم عمليّا باعتبار أنّ الزواج المثلي غير معترف به رسميّا في اندونيسيا. تاليا، الجنس بين المثليّين يقع خارج دائرة الزواج، ما يجعله حكما جريمة. ومن المعلوم أنّ الشريعة الاسلاميّة المعمول بها بأكثر من ولاية اندونيسيّة تعاقب معاقرة الكحول، ولعب القمار، والخيانة الزوجيّة، والمثليّة الجنسيّة. من جهة ثانية، يحرّم القانون الجديد الترويج لوسائل منع الحمل، ويمنع الاجهاض حتّى لو أرادته النساء، كما يجرّم اهانة الرئيس الاندونيسي، ونائبه، وأيّ مؤسّسة من مؤسّسات الدولة، والعقيدة الرسميّة للدولة الاندونيسيّة، وهي سلسلة اجراءات أدانها المدافعون عن حقوق الانسان في اندونيسيا بمثابة تحوّل قيمي رجعي تحت ستار "الانتي-كولونياليّة"، واستعادة الأصالة.

ومنذ يومين، قرأت خبرا عن منع حركة "طالبان" فتيات افغانستان من الحصول على التعليم. بالحقيقة، قفزت المرأة بافغانستان أشواطا في ظلّ الأميركيّين، ولكنّ المكاسب تآكلت بسرعة منذ رحيلهم. أمّا اليوم، فقرأت خبرا جديدا، من اليمن هذه المرّة، مفاده أنّ "الحوثيّين" أمروا المصالح العامّة بفصل الموظّفين عن الموظّفات بجميع الدوائر الحكوميّة بالمناطق الخاضعة لهم، وتخصيص أجزاء من المباني للذكور، وأخرى للاناث. وكان الحوثيّون قرّروا سابقا منع النساء من التنقّل بين المحافظات أو السفر الّا بوجود أحد الأقارب الذكور من الدرجة الأولى، أي المحرم. كما كلّف الحوثيّون عناصر من فرع "الأمن النسائي" التواجد الدائم في المدارس ومراقبة لبس الطالبات وسلوكهنّ، للتأكّد من المطابقة مع مقتضيات الشريعة. وكما هو معلوم، يقول الحوثيّون ب"الموت لأمريكا"، وهو شعار أطلقه الامام الخميني، أب الثورة الاسلاميّة في ايران التي ما تزال تسعى لاجتثاث التأثير الغربي من العقول – الخامئني يهاجم دائما ما أسماه "الناتو الثقافي" – لمصلحة الأصالة، والشريعة الاسلاميّة. رحم اللّه مهسا أميني، بالمناسبة.

ما الجامع بين كلّ ما سبق؟ هو مزدوج، بالحقيقة: أوّلا، اذا ما وضعنا جانبا الخطاب اليساروي الذي صوّر ويصوّر أيّ تراجع للغرب بهذه المنطقة من العالم بصفته نصرا ل"أصالتها"، ولجماهيرها الكادحة، وجدنا أنّ البديل عن الغرب عندنا كان غالبا رجعيّا، ولم يكن مرّة ليبراليّا، حتّى عندما لم يكن دينيّا. ليس صدفة، بهذا المعنى، أنّ الكتاب الأشهر لألبرت حوراني حدّد قفول الزمن الليبرالي عندنا بنهاية الثلاثينات/مطلع الأربعينات، أي عشيّة انتصار حركات التحرّر الوطني ضدّ البريطانيّين والفرنسيّين؛ وكما هو معلوم، كان البديل عن التوّجهات الليبراليّة السابقة للحرب العالميّة الثانية، الحركات اليسارويّة و/أو الاسلاميّة التي التقت على مقارعة "الكولونياليّة"، والغرب "الاستعماري". ثانيا، الضحيّة الأولى للأصالة المستعادة بعد هزيمة الكولونياليّة هي النساء، بكلّ مرّة؛ وتكاد السيطرة على جسد المرأة تكون الهدف الأوّل الذي يسعى نشامى الأصالة لتحقيقه، بعد دحر التأثير الغربي. وليس بدون معنى أن تكون أكثر النساء الايرانيّات المعارضات لنظام الملالي هي أيضا أكثرهنّ تأثّرا بالثقافة الغربيّة واقبالا عليها؛ والعكس صحيح.

ولست أدري لماذا تعود الى بالي عندما أقرأ هذه الأخبار اعلانات تجاريّة قديمة كانت تحذّر الزبائن من "التقليد"، وتدعوهم لشراء الماركة الأصليّة. شعوري أنّ من يتسقّط أخبار هذه المنطقة الزاهرة من العالم، من اندونيسيا الى اليمن، ومن افغانستان لايران، سيغريه العكس تماما، عنيت الاقبال على تقليد الغرب، ما دام "الأصل" يأتينا تكرارا على شاكلة مشرّعي اندونيسا، وطالبان افغانستان، وحوثيّي اليمن، وملالي ايران.