أتابع بمدينتي طرابلس عبر وسائل التواصل الإجتماعي نشاط مجموعة أسمت نفسها "حرّاس المدينة"، وهي برزت بشكل خاصّ خلال تظاهرات ثورة 17 تشرين في عاصمة لبنان الثانية، واستمرّت بعدها.
باشرت هذه المجموعة مؤخّرا التنسيق بشكل دوري مع لجنة دائرة الأوقاف الإسلاميّة في طرابلس التي يديرها المفتي محمد إمام. واستوقفني مؤخّرا ما أسمته المجموعة " مبادرة الأمن التكاملي في طرابلس "، وهي بحسب محمد شوق، المسؤول في "الحرّاس"، مبادرة لحماية أبناء المدينة من التفلّت الأمني المتزايد، بدون التعدّي على أحد كما قال شوق، ولا تجاوز دور القوى الأمنيّة، بل عبر مساندتها في الأوضاع الدقيقة الحاليّة. ويفهم الحرّاس على ما يقولون أنّ حمل السلاح حقّ حصري للقوى الرسميّة؛ جوهر مبادرتهم التواجد اليقظ في الأحياء عبر متطوّعين مدنيّين يبلغون القوى الأمنيّة بمجرّد وقوع أي حادثة أو تصرّف يقتضي حضورها.
وكما بكلّ مرّة تطفو على السطح مبادرة مشابهة، ينقسم الرأي العام حولها. فهناك من يرى في "حرّاس المدينة" بطرابلس، كما ب"جنود الربّ" في الأشرفيّة، عودة لزمن الميليشيات والأمن الذاتي. الخوف هنا أنّ المبادرة التي تبدأ بدون سلاح، وبهدف مساعدة القوى الأمنيّة، يكمن أن تتسلّح بسرعة لاحقا، وتسعى للحلول مكانها، أي مكان السلطات الشرعيّة. بالمقابل، هناك من يرى أنّ حالة التفلّت الأمني باتت لا تطاق، وأنّ القوى الأمنيّة التي يحصل أفرادها على رواتب مزرية عاجزة عن المواجهة، لا لخطأ على مستوى العناصر والضبّاط، بل لأنّ ماليّة الدولة المنهارة تنعكس سلبا على جهوزيّتهم. ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ الدولة المركزيّة ماتت سريريّا، وأنّ المبادرات المحليّة لملء الفراغ طبيعيّة، بل ضروريّة. يبقى أن توضح الأيّام والتجارب القادمة ما اذا كان "حرّاس المدينة" سينجحون بتحقيق أهدافهم المعلنة، ما سينعكس ايجابا على أمن طرابلس، أم لا، ما قد يفاقم صعوبة أوضاعها.