هشام بو ناصيف - اللعبة الكبرى عندما تتحرّك فوق رؤوسنا

تتحكّم بمسار الاستحقاق الرئاسي منذ أشهر المعطيات الخارجيّة التالية : 1) صراع أميركي – ايراني. 2) صراع سعودي – ايراني. 3) سعي فرنسي تقليدي للحفاظ على موطئ قدم في لبنان. 4) سعي قطري لحجز دور متمايز عن الدور السعودي، ولو أنّ مرجعيّة الدورين أميركيّة بنهاية المطاف. ويقرأ اللبنانيّون الذين يتابعون الصحف اليوميّة أنّ قائد الجيش جوزف عون مرشّح التقاطع الغربي-العربي. يقرأون أيضا أنّ حظوظه مرتفعة على خلفيّة تعثّر المحور الممانع، دون أن يعلموا الكثير عن الرجل. ما هو تصوّره لحلّ أزمة النظام، مثلا؟ هل يعترف أصلا بها؟ ما مشروعه للاصلاح الاقتصادي؟ والأهمّ، وقبل أيّ شيء آخر: ما موقفه من سلاح حزب اللّه؟ هذه هي المشاكل الأساس التي نواجه؛ ولكنّ اللعبة الكبرى التي تتحرّك فوق روؤسنا تتّجه – ان صحّت أخبار الصحف، ومن نافل القول أنّها لا تصحّ دوما – الى اختيار رئيس لنا، دون أن نعلم الكثير عنه، و طبعا دون أن يكون لنا رأي بالموضوع.

نعلم بالمقابل، ودائما من متابعة الصحف، أنّ الرئيس نجيب ميقاتي اصلاحي، ومن خارج الطبقة الفاسدة التي يحاول ما استطاع درء خطرها عن لبنان. أقلّه، هذا ما قرّره وقاله مؤخّرا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. يعني هذا أنّ المعسكر الغربي، لو انتصر على ايران في معركة تشكيل السلطة بلبنان، سيضعنا أمام معادلة جوزيف عون رئيسا للبلاد – ونجيب ميقاتي رئيسا للحكومة. أمّا اذا تحوّلت الأمور لصالح ايران في الأشهر المقبلة – وهذا ليس مرجّحا، وان لم يكن مستحيلا تماما – فلعلّنا نكون أماما معادلة سليمان فرنجيّة – نجيب ميقاتي. أقلّه، هذه هي السيناريوهات الى الآن. ومع الاقرار أنّ أيّ رئيس أفضل من سليمان فرنجيّة أو جبران باسيل، يحقّ لنا، بل يجب علينا كمواطنين معنيّين أن نسأل أسيادنا بالخارج: هل لنا أيّ دور أو رأي بكلّ هذا؟ بنهاية المطاف، من سيتحمّل تبعات سياسات النخبة الحاكمة الجديدة هم أهل طرابلس، وصيدا، وجونية، لا أهل طهران، أو الرياض، أو واشنطن؛ هل لنا أيّ دور – لو سمح أولياء الأمر، يعني، ومع الاعتذار لتطفّلنا عليهم – برسم مصيرنا؟

الجواب أن لا. نستطيع كمواطنين أن نثرثر على مواقع التواصل لو أحببنا، أو أن نطلق بعض البخار الحبيس عبر هبّات شعبيّة من وقت لآخر. ونستطيع طبعا أن نيأس من البلاد ونهاجرها. ولكن بمسألة تشكيل السلطة، دورنا معدوم. لماذا نحن مفعول به، غير فاعل، بعقر دارنا؟ الجواب مثلّث الأبعاد: من جهة، نحن دولة صغيرة محاطة بدول أقوى منها، وتوسعيّة؛ ومن جهة ثانية، كان الشرق الأدنى مهمّا، ولعلّه سيبقى كذلك، لكلّ قوّة عظمى تتحرّك على وجه البسيطة، من الامبراطوريّات القديمة في ما مضى، الى الأميركيّين اليوم؛ وأخيرا، نحن شعب منقسم الى طوائف تحرّكها البغضاء تجاه بعضها بعضا. الوطنيّة اللبنانيّة أضعف من أن تتغلّب على نزعة الاستقواء بالخارج، دع عنك أن تصدّ الخارج عندما يقرّر التدخّل بشؤوننا. نتيجة المعطيات الثلاثة هذه استقرار دورنا منذ عقود كساحة لصراعات كلّ المحاور الاقليميّة والدوليّة الأساس، ومنع تشكّل وطنيّة لبنانيّة تصاحب الشعور الطائفي دون أن تلغيه (على طريقة الفرنكوفون – الكنديّين؛ أو الأفريقيّين – الأميركيّين)، وتاليا، منع قيام الدولة.

وليس دفاعا عن البطريركيّة المارونيّة لأنّها كذلك القول أنّ الحياد التي قرّرت اطلاق معركته هو شرط خلاص لبنان. وليس هجوما على المفتي الجعفري أحمد قبلان لأنّه كذلك القول أنّ معركة رفض الحياد، التي يخوضها بالوكالة عن الثنائي الشيعي الذي يحرّكه، هي بأيّ معيار جريمة بحقّ لبنان، وخيانة وطنيّة. وان كانت هذه البلاد المنهكة ستعرف يوما مستقبلا مختلفا عن حاضرها التعس، فشرطه معطيّين أساسيّين، عنيت تقليص دور الخارج باختيار الطبقة الحاكمة؛ وتعزيز دور المواطن اللبناني، كناخب، بالأمر عينه.