"أنا لا أحبّ القوّات اللبنانيّة. أنا أكره القوّات اللبنانيّة. أنا أكره القوّات كثيرا جدّا". يكاد ما سبق يختصر كلّ خطاب فيصل كرامي منذ أطلّ على الساحة السياسيّة.
يمكن قول الكثير عمّن سبق فيصل من عائلته في السياسة. جدّه عبد الحميد عادى الكيان اللبناني يوم قام باسم الوحدة السوريّة. عمّه رشيد "اعتكف" كرئيس للحكومة -- أي امتنع عن ممارسة دوره دون أن يستقيل رسميّا -- يوم حاول الجيش اللبناني وضح حدّ لبناء الدولة الفلسطينيّة داخل الدولة في الستّينات من القرن الماضي. ساهم رشيد كرامي آنذاك مباشرة بشلّ الدولة اللبنانيّة، ممّا أوصلها مكّبلة اليدين الى اتّفاقيّة القاهرة المشؤومة عام 1969. لاحقا، انتمى رشيد كرامي الى "جبهة الانقاذ" التي شكّلها حافظ الأسد لضرب اتّفاقيّة 17 أيّار، أي المعاهدة التي رفضها الرئيس السوري لأنّ نجاحها كان يعني انسحاب جيشه من لبنان، فضلا عن الجيش الاسرائيلي، والزمر الفلسطينيّة. لاحقا أيضا، شكّل عمر كرامي، والد فيصل، جزءا من الاحتياطي السنّي الذي استخدمه الاحتلال السوري لمحاصرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيئته. وعندما شكّل السوريّون أكثر حكومة مطواعة لهم أواخر عهد اميل لحّود، كان عمر كرامي رئيسا لها. خسر لبنان رفيق الحريري بظلّها.
أقول أن بالامكان التوسّع كثيرا بما سبق، وبدور العائلة الكريمة بتاريخ لبنان، لكنّني لن أفعل لأنّ الوقائع معروفة لمن يرغب بقراءتها. ثمّ أنّ الكلام عن الراحلين ثقيل.
أكتب بالمقابل عن آخر "أفندي" من عائلة كرامي، أي فيصل نفسه. لماذا هو موجود على الساحة السياسيّة؟
يعاني لبنان من مشكلتين مباشرتين، ومن مصيبة أصليّة. المشكلتان هما تغوّل حزب اللّه بالسلاح؛ والفساد غير المسبوق للنخب الحاكمة. وأمّا المصيبة الأصليّة، فالنظام السياسي غير المحايد، والمركزي، وهو أصل كلّ شرّ بالبلاد. أيّ رأي، أو دور، أو قيمة مضافة للسيّد كرامي في مواجهة كلّ هذا؟ الجواب صفر مكعّب. فيصل كرامي حليف سنّي لحزب اللّه. دوره بهذه الناحية بالتحديد استمراريّة لدور سابق تميّزت به العائلة الكريمة لجهة التحالف مع كلّ ساع للهيمنة على هذه البلاد في محيطها. وبمسألة الفساد والاصلاح الاقتصادي، لا كلمة واحدة مفيدة تذكر له، أو موقف. أمّا بمسألة النظام، فهو يجهر بمعارضة الحياد والفدراليّة، وبالتمسّك بالطائف، أي بالنظام الذي وصلنا بظلّه الى ما وصلنا اليه. هذا كلّ شيء.
كيف يحافظ كرامي على وجوده وسط أزمتنا؟ الجواب غير معقّد. من جهة، يؤمّن التعامل مع أعداء الوطن، وهم نواة النظام الصلبة، الخدمات للأتباع، والتحالفات الضروريّة للمنافسة الانتخابيّة. من جهة ثانية، يستنفر العزف الدائم على وتر قضيّة رشيد كرامي العصب الطائفي/المناطقي. يبقى طبعا انتظار فرصة مناسبة لاقتناص لقب "دولة الرئيس". هذه كلّ عدّة الشغل، وهي، على تهافتها، كافية للاستمرار السياسي. وفي هذه الأثناء، تغرق طرابلس بالمزيد من الفقر؛ وتتحوّل عاصمة الشمال، مدينة قوارب الموت والهجرة غير الشرعيّة. ولكنّ هذا بطبيعة الحال آخر همّ "الأفندي". وعندما ستبتلع أمواج المتوسّط فقراء جدد من مدينته، سيستنكر فيصل كرامي أوضاع طرابلس، ثمّ يقوم بكلّ ما بوسعه للحفاظ عليها بالظبط كما هي. لأنّ هذه الأوضاع جعلت منه نائبا، ولأنّ تغييرها يرسله الى التقاعد المبكر.