هل يدرك المواطنون اللبنانيّون ان كانوا أفرادًا، أو أرباب عمل، أو تجّار، من دافعي الضرائب الذين يحترمون التزاماتهم الماليّة تجاه خزينة الدولة اللبنانيّة المركزيّة، انّهم منذ فترة يشكّلون هم أنفسهم مصدر رزق آلة القتل والنهب التي تحكم لبنان تحت مسمّى "المقاومة الاسلاميّة"؟
هل تعلم أيّها المواطن أنّك حين تسدّد رسم ميكانيك مثلاً، أو حين تدفع ثمن طوابع لأيّ معاملة، أو حين تدفع الرسوم والضرائب على تجارتك، أنت:
- تؤمّن رواتب العديد من القضاة والضبّاط المرتهنين الذين دأبوا مؤخّرا على تنفيذ أجندة الميليشيا الحاكمة، ان كان في الاستدعاءات الاعتباطيّة، أو التوقيفات المخالفة للأصول، أو التحقيقات الاستنسابيّة، والذين أمعنوا تعطيلًا في سير العدالة بملفّ تفجير المرفأ.
- تسدّد رواتب هذا الشيخ المدّعي الدين، الذي يعطي الدروس ك"أستاذ" في الجامعة اللبنانيّة وفي الوقت ذاته، يسوّق للتهريب عبر الحدود بصفته عمل مقاومة.
- تدفع رواتب ضبّاط وعناصر في حرس مجلس لا يأتمرون من الدولة، بل مباشرة من رئيس حزب سياسي مسلّح. وطبعاً هم أشهر من نكّل بالمتظاهرين إبّان ثورة تشرين.
- تؤمّن ميزانية البلديّات التي ترفع صور وتماثيل الارهابييّن الأجانب الذين تفنّنوا في تدمير لبنان والتخطيط لابتلاعه وتحويله الى مرتع لكلّ أصناف المرتزقة. وفي هذه النقطة بالذات، طريق مطار بيروت خير دليل.
- تدفع ثمن السلع المدعومة التي يتمّ تهريبها عبر الحدود لتمويل وتموين النظام السوري، عدوّ لبنان التاريخي.
- تموّل الأدوية المدعومة التي يتمّ سرقتها وبيعها في السوق السوداء.
- تدفع كلفة تشغيل مطار تسيطر قوى السلاح غير الشرعي عليه، تراقبنا وتجمع المعلومات عن تحرّكاتنا وسفراتنا وتلزمنا بالمرور في ممرّات الخطف حيث الله وحده يعلم ما تحمله في باطنها (هذا عدا عن تهريب المقاتلين والاموال والاسلحة وعدا عن انتشار المخبرين في صفوف العمّال ناهيك عن الفوضى والبهدلة)
- تسدّد رواتب عشرات آلاف المقاولين والمياومين والموظّفين الفاسدين الذين تمّ زرعهم زرعا بعيدا عن أيّ اعتبار للكفاءة والمهنيّة، في الوزارات والادارات والمؤسّسات العامّة. معظهم لا يعمل ومن يعمل لا يخدم الّا ببطء وتأجيل ورشوة.
هل يعلم صاحب المؤسسة أو الشركة الذي ينشط في مجال الاستيراد، انّه يدفع الرسوم على بضائعه المستوردة، لكن في بؤرة الممانعة، هناك كارتيلات تستورد هي نفسها أيضا عبر المرفأ او المطار، ولا تدفع أيّ رسم؟ ثمّ تقوم ببيع بضاعتها بأسعار منخفضة ضاربة مبدأ المنافسة العادلة، فقط لأنّها مدعومة من ميليشيا؟
بالحقيقة، وظيفة المناطق اللبنانيّة "غير الممانعة" في هذا النظام هي أن تدفع لبلديّة كبلديّة بيروت التي بقيت متفرّجة عقب تفجير ٤ آب ممّا اضطرّ القطاع الخاص أن يعالج كلّ شيء بنفسه. تدفع لأجهزة وقضاة وأمنييّن لازموا السكوت حين علموا بوجود نيترات في المرفأ. تدفع لأجهزة جلّ ما تفعله هو تأمين الحماية والمواكب ل"شخصيّات" أقلّ ما يقال عنها انّها عميلة لدى سلطات الاحتلال.
ممكن سرد الأمثلة دون نهاية. لكن في الخلاصة، العبرة واضحة: نحن ندفع، و"شركاء" لنا في "رسالة التعايش" لا يدفعون لأنّهم بحماية السلاح غير الشرعي. نحن نُحرَم، وهم ينتفعون، بقوّة السلاح. نحن نُقتَل، وهم محميّون بالسلاح. نحن نهاجر، وهم يتوسّعون، بظلّ السلاح.
متى يتوقّف مسلسل الانتحار هذا؟ متى نتوقّف عن الدفع ونسير بمشروع الخلاص؟ وتصبح ضرائبنا محصورة محلياًّ، تدفع محليّاً، وتُصرَف محليّا، عبر سلطة ننتخبها...محليّا أيضا.
الخطوة الأولى صوب بداية الخلاص واضحة: قرار جماعي بالتوقّف عن الدفع. التوقّف عن تمويل الخاطف.
طالما هو يتفاخر بدولاراته، ومؤسّساته، وباكتفائه بالدعم الذي يأتيه من أربابه، فليكن (وصحتين عقلبه)، فلنترك له امتياز العيش بهذا "النعيم" ولنتوقّف نحن عن تمويله. ولندعه وشأنه وشأن محبّيه ومناصريه وبيئته الحاضنة. هو يريد بؤرة تهريب وسلاح وكبتاغون وسوق سوداء، فليموّلها هو، من ماله ومن مال مجتمعه ومن دعم مرشده. لماذا علينا نحن ان نموّل ونغذّي هكذا ورَم؟
هل تتصوّرون ما يمكن ان يكون عليه الوضع في حال بدأنا بتمويل سلطاتنا المحليّة مباشرة دون وسيط؟ كيف انّنا سنصبح في موقع أقوى كمكلّفين تجاه من يضع الميزانية وكيف سيكون لنا أن نراقبه، ونحاسبه، ونسائله عن نفقاته وتلزيماته؟ كيف سيكون الانماء وكيف ستتحوّل طرقاتنا والبنى التحتيّة؟ كيف سنأتي بالكهرباء فندفع فاتورتها عن نفسنا دون سوانا؟
هذا التصوّر ليس بحلم مستحيل، انّما مشروع ممكن تحويله الى واقع، شرط عدم التردّد، وشرط تبنّيه كجماعة واعية لما تريد، ورافضة للهزيمة النفسيّة، أيّا تكن الظروف الصعبة التي نعيش.
مطار آمن، مرفأ آمن، وماليّة مضبوطة عبر حكومات ومجالس نيابيّة منتخبة محليّا. هذا ما نريده لبيئتنا، وهو حقّ لها. نستطيع بعدها أن نبني دبي أو سنغافوره بمناطقنا. ويوم كان حكم لبنان، بيد من يحبّ لبنان، كانت بلادنا ما دبي عليه اليوم. أمّا بيئة السلاح، فهي حرّة ما دامت لا تتحكّم بنا. فلتبن الغابة التي تشبهها.