سعد الحريري ونعمة الفراغ

فؤاد مطران

سعد الحريري لم يشكّل أيّ توازن في مواجهة المدّ الإيراني في لبنان. لا بل كان سندًا وغطاءً لهذا المدّ، حرص حزب اللّه على عدم التفريط به.

فقد كثرت التحليلات والمقالات في اليومين الأخيرين التي طالبته بخوض الانتخابات النيابيّة، إثر إعلان مصادر عدّة أنّ الحريري حسم قراره بالمقاطعة. وقد اعتبرت أنّ غيابه سيضرب التوازن القائم مع حزب اللّه، أو سيسمح لهذا الأخير بحصد بعض المقاعد السنيّة.

لسنا بحاجة لتعداد خيبات الأمل التي تلقّاها الفريق السيادي جرّاء مواقف سعد الحريري، الذي كان بإمكانه تغيير المسار الذي وصلنا إليه لو كانت لديه نيّة فعليّة في المواجهة. لكنّه فضّل الاستفادة من خيرات السلطة عن طريق الصفقات والمحاصصة، مقابل تخلّيه الكامل عن قضيّة السيادة.

فالحديث عن توازنات في ظل وجود الحريري، أقلّ ما يقال فيه أنّه مدعاة للسخرية. وهو الذي تماهى مع الاحتلال الإيراني وشكّل أحد دعائم سيطرة حزب اللّه على لبنان. ومعظم من يتحدّث عن التوازنات اليوم، استمرّ حتى الأمس القريب يشكو من تنازلات سعد الحريري لحزب اللّه والتيّار الوطني الحرّ.

أمّا في الشقّ المتعلّق بالنوّاب، فلا يجب أن ننسى أنّه لطالما كان هناك شخصيّات سنيّة وازنة وقفت في صف حزب اللّه، وهذه الشخصيّات لا تزال تحافظ على وزنها الانتخابي وهذا ليس بالأمر الجديد أو المستغرب. لكن المؤسف فعلًا، أنّ كتلة الحريري كانت على تماهٍ تام مع الحزب الإيراني داخل المجلس، بغضّ النظر عن بعد الخطابات الفارغة التي تستعمل للتجييش.

بالتالي لا يمكن للسياديّين أن ينظروا إلى غياب الحريري إلّا كفرصة نادرة لانتشال الجمهور السنّي السيادي من المستنقع الذي وضعه فيه سعد الحريري.

فإذا كان الاتّكال على الانتخابات النيابيّة، فالفرصة أصبحت متاحة لتشكيل كتلة سنيّة معارضة لحزب اللّه. هذه الكتلة قد لا تتمكّن من حصد عدد نوّاب مشابه لما كانت عليه كتلة تيّار المستقبل، لكنّها ستكون كتلة سياديّة حقيقيّة.

كما أنّ البحث بمعارضة من خارج المجلس النيابي، سيتمتّع بحظوظ أكبر مع مجموعات وشخصيّات جديدة.

على العموم، إنّ الفراغ داخل مجموعة سياسيّة هو أفضل من ارتباطها بشخص واحد لفترات طويلة. فالفراغ سيتبعه حتمًا ديناميكيّة جديدة لملئه، باستطاعتها حمل نتائج إيجابيّة لصالح المجموعة. أمّا تمسّك الشخص بقيادة الجماعة سيؤدّي مع مرور الوقت إلى خلق "مستنقعات سياسيّة" جامدة من دون حركة، مصيرها الفشل... فأهلًا بالفراغ!