جوي لحود
حزب اللّه لا يمثّل مجرّد "سرديّة"! فإن لم يكن بدًّا من الحديث عن سرديّات في لبنان، فالسرديّة الخاصّة بالطائفة الشيعيّة لم تبدأ مع تصدير الثورة الخمينيّة، ومن الظلم إلباس كلّ الشيعة في لبنان هويّة فرضت عليهم بقوة الترهيب والالغاء. وبالتالي، إنّ أيّ حديث عن فدراليّة في لبنان مبنيّة على تعدّد السرديّات لا يمكن أن تشمل ميليشيا حزب اللّه وأن تعتبرها مجرّد "سرديّة" بين سواها. للأسف، هذا بالتحديد ما نسمعه في الآونة الأخيرة على لسان أصحاب بعض الطروحات الفدراليّة، عنيت التسليم بأنّ حزب اللّه يمثّل سرديّة مثله مثل بقيّة الطوائف في لبنان وبالتالي علينا أن نتقبّل واقعه ونتأقلم معه ضمن نظام جيرةٍ "كانتونيّة". يبرّر أصحاب هذا الطرح فكرتهم هذه من خلال الزعم زوراً أنّ الانظمة الفدراليّة ترتضي التعايش مع أيّ سرديّةٍ كانت طالما هي في كانتونها وغيرها في كانتونه.
لا يا سادة!
فهل من أحد من بين هؤلاء يقبل بالعيش في كانتون مجاور لكانتون محكوم من داعش أو القاعدة، مثلًا؟ هل من عاقل يقبل أن يعيش هو سرديّته في كانتونه بينما أبناء سرديّة أخرى مجاورة يعيشون تحت حكم سرديّة مستوردة فرضت عليهم بالدم، مع ما يعنيه هذا الأمر من تراكم لجمر تحت الرماد مصيره انفجار حتمي لن يقتصر ضرره على الكانتون المعني فحسب بل سيطال البلاد بأسرها؟ كيف نعيش نحن في كانتون يخضع لأصول ديموقراطيّة طالما في الكانتون المجاور لنا يعيش أناس تحت حكم ميليشيا شموليّة تقمع أيّ شكل من أشكال المعارضة؟
الأخطر في ما يطرحه البعض هو القفز فوق مفهوم السيادة. تساؤلات عدّة تطرح نفسها أمام هذا التغاضي النافر عن سلاح حزب اللّه وحالته العسكريّة التي تناقض كل المفاهيم الدستوريّة والديموقراطيّة والمدنيّة! هم لا يعتبرون سلاح حزب اللّه حالة شاذّة! أيّ جنون هو هذا! هم لا يعتبرون أنّ في لبنان انتقاص من سيادة الدولة! وكيف يبرّرون ذلك؟ طبعًا من خلال نظريّة السرديّات. وكأنّهم يقولون: سلاح حزب اللّه هو جزء من سرديّته، وبالتالي هو مبرّر ولا داعي لاعتباره شواذًا كون السرديّات مقدّسة.
لا يا سادة! السلاح ليس سرديّة! والإرهاب ليس سرديّة! والسيادة لا تتجزّأ! والعقائد المستوردة لا تشكّل سرديّة لبنانيّة ينبغي احترامها أيًّا كان ضررها على البلاد!
لنا مع هذه النظريّات الخطيرة صولات قادمة كنّا تمنّينا تجنّبها وصبّ وقتنا وتركيزنا على مكافحة شيطنة الفدراليّة؛ لكن للأسف سوف نضطرّ أن نحاجج علميًّا وأخلاقيًّا ضدّ مفاهيم تنسب نفسها إلى الفدراليّة، ولا تفعل غير أن تشوّه الطرح الفدرالي الذي بنظرنا لا خلاص للبنان من دونه. صحيح أنّ للفدراليّة أشكال مختلفة كلّها قابلة للبحث، ومنها ما قد يكون محطّ إجماع إذا ما تمّ تفسيرها بشكل علمي ولائق ومعتدل، لكن في الوقت نفسه، نحذّر من الطروحات التي تزعم أنّها فدراليّة دون أن تعير السيادة اهتمامًا لأنّها تعتبر على ما يبدو أنّ العيش بجوار الإرهاب أمر طبيعي تمامًا.
نحن نطرح الحياد والفدراليّة كحلّ وليس كمشروع مشكل جديد. نطرحهما من باب التفكير الهادئ، وليس من باب ردّ الفعل. نطرحهما لكي يستفيد منها كلّ لبناني ولا نطرحها من أجل خلاص فئوي.
أمّا إذا كان أصحاب هذا الطرح الفدرالي المعادي للسيادة يسعون إلى إرساء نظام تعايش ما بين كانتونات ديموقراطيّة عصريّة من جهة، وكانتون ديكتاتوري ظالم من جهة أخرى، ودائما بحجة تقبّل السرديات، فندعوهم من جانبنا إلى أن يعتمدوا طرح التقسيم، فقد يكون منسجمًا أكثر مع حقيقة أفكارهم، وليتركوا الفدراليّة بسلام. وربّما حينئذ يصبح باب الحوار ممكنًا معهم! فنحن لسنا ضدّ مناقشة أيّ فكرة بالمطلق، لكنّنا ضدّ تشويه الأفكار، وخصوصًا الطرح الفدرالي. وأوّل سؤال عندنا لهم والحال هذه هو هذا: فشل الأكراد بالانفصال عن العراق، رغم رغبتهم العارمة فيه، وسيطرتهم على كردستان العراقيّة. ما حظوظ التقسيم في لبنان؟
جوي لحود