هشام بو ناصيف - ثلاث أفكار عن بكركي، ولأجلها

يواجه البطريرك بشارة الراعي بشجاعة منذ سنوات اطباق حزب اللّه على لبنان، كما واجه البطريرك نصر اللّه صفير قبله الاحتلال السوري لبلادنا. ومنذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، يركّز البطريرك الراعي على ضرورة انتخاب رئيس جديد، وهذا مفهوم. ولكنّ المسألة باتت أبعد من الكرسي الشاغر في بعبدا، بل هي مسألة نظام لبناني برمّته ترعرع حزب اللّه بظلّه، وصار سيّده. وأيّا تكن جهود بكركي، فاحتمال وصول رئيس سيادي الى سدّة الحكم بالظروف الحاليّة ضئيل. وعلى افتراض حصل ذلك، ومع الاقرار أنّ الأوضاع اللبنانيّة خلال ولاية الرئيس ميشال سليمان كانت أفضل من الأوضاع التي لحقتها، أيّ مشكلة جديّة حلّتها ولاية سليمان؟ أي مشكلة جديّة ستحلّها ولاية رئيس جديد مثله؟ الأفكار الثلاث أدناه استطراد لما سبق:

أوّلا، لا تزال بكركي تتصرّف بمنطق الدفاع عن لبنان الكبير، وأنّها هي مؤتمنة عليه. ليس من باب "الحرتقة" على بكركي التذكير أنّ جذر المآسي التي نعيش تعود الى قرار الكنيسة توسيع حدود بشكل غير مدروس عام 1920؛ لقد كان الوزير الراحل فؤاد بطرس محقّا تماما عندما قال "انّ البطريرك الحويك والرئيس ادّه أخطأا بتوسيع مساحة لبنان الى هذا الحدّ" (راجع كتاب مسؤوليّة فؤاد شهاب عن اتّفاقيّة القاهرة، 2019، صفحة 140). أمّا وقد صار مسيحيّو لبنان ثلث شعبه، من جهة، وأظهرت كلّ التجارب أنّ فكّ الارتباط الشعوري بين مسلميه والجوار مستحيل، فقد صار الدفاع لا فقط عن الصيغة الحاليّة، بل عن الكيان نفسه، عاطفيّا محضا، واجترارا لتقليد قديم تجاوزته الأحداث، وحركة المجتمع الديموغرافيّة. السياسة مصلحة، لا عواطف. هجرة المسيحيّين الكثيفة تظهر دون لبس أنّ لا مصلحة لهم لا بالصيغة الحاليّة، ولا بأيّ صيغة أخرى تبقي لبنان أسير محاور المنطقة وصراعاتها. لقد قال البطريرك الراحل مار نصر اللّه صفير عن حقّ أنّنا اذا خيّرنا بين العيش المشترك، والحريّة، نختار الحريّة. بالحقيقة، منذ كان لبنان، نحن نخيّر بين العيش المشترك، والاستقرار. آن لنا أن نختار الاستقرار.

ثانيا، يعني هذا، من ضمن ما يعنيه، أن تمسّك بكركي بالطائف يحتاج الى اعادة تفكير. وأساسا، لا تستطيع بكركي الدعوة الى الحياد، من جهة، والتمسّك بالطائف من جهة ثانية. أن نقول أنّ الطائف لا ينصّ على الحياد تحصيل حاصل؛ بالحقيقة، منطق الطائف ينفي امكانيّة الحياد بسبب التشديد على هويّة وعلاقات لبنان العربيّة، فضلا عن علاقاته المميّزة مع سوريا. وأبعد من النصّ نفسه، مواقف المكوّنات الأخرى من المسألة لا يمكن تجاوزها. دار الفتوى ليست مع الحياد، ولا المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، ولا أمل، ولا حزب اللّه. بالحقيقة، لا يوجد قوّة سياسيّة كبيرة بين المسلمين، أو مرجع روحي مسلم واحد، يتبنّى الحياد. يعني هذا، من ضمن ما يعنيه،أنّ العيش المشترك يستبطن ابقاء لبنان ساحة حروب اقليميّة دائمة، تستدرجها اليه هويّات عابرة للحدود ترى الحياد فصلا لها عن بيئتها. وان خيّرت بكركي بين العيش المشترك، والحياد، فينبغي لها أن تختار الحياد.

ثالثا، لا تزال بكركي تحاول توحيد الصفّ المسيحي عبر فتح أبوابها لقوى سياسيّة مثل سليمان فرنجيّة، وجبران باسيل. لا مشكلة بفكرة توحيد الصفّ المسيحي بذاتها، على أن يكون مجتمعنا موحّدا ضدّ الخطر الداهم الوجودي عليه. وبالحقيقة، لهذا الخطر اسم شديد الوضوح: حزب اللّه. وبالحقيقة أيضا، فرنجيّة، وباسيل، مجرّد امتداد له بين المسيحيّين. بوضوح أكثر: فرنجيّة، وباسيل، خرق شيعي للوسط المسيحي. لا مكان لهما داخل هذا الوسط ما بقيا على تبعيتّهما الذيليّة للحزب من خلال تغطية سلاحه بحجّة "المقاومة"، أو هكذا يفترض. استقبالهما المتكرّر في بكركي يخدش مصداقيّتها.