انطونيو رزق - بخصوص دولة حزب اللّه

لا يمكن تصنيف حزب الله على انه من الاحزاب العاديّة او من الحركات الاسلاميّة الثوريّة النموذجيّة التي شهدها لبنان والمنطقة في القرن العشرين، كما ليس وحسب منظمة ارهابيّة كالقاعدة مثلاً، وأخيراًهو ليس مجرّد فصيل ايراني يحتلّ لبنان بالوكالة. الوعي القائم على أنّ حزب الله أحد هذه الامور هو وعي مشوّش يؤدّي بالضرورة الى تحليل مبني على فرضيّات خاطئة.

عمليّا، يبسط حزب الله سيادته على ثلاث مناطق أساسيّة في لبنان وهي الضاحية الجنوبيّة لمدينة بيروت، الجنوب اللبناني، والبقاع الشمالي. أصرّ على استعمال تعبير "سيادته" على الرغم من ان لا شرعيّة قانونيّة لهذه السيادة ولكنّ الحقيقة هي ان الطلاق اكتمل ما بين الواقع والقانون في لبنان منذ عقود. فحزب الله يملك احادية استعمال العنف في هذه المناطق، ووجود حواجز وبعض الثكنات العسكرية التابعة للجيش اللبناني لا يعني ان الحزب يشارك الجيش ببسط النفوذ. الحقيقة المؤسفة هي انّ وجود الجيش في هذه المناطق هو وجود صوري. حتّى عندما يقوم الجيش ببعض المداهمات والتوقيفات، فيكون ذلك بمباركة الحزب الذي يعاني كلّ فترة من موجة جرائم في مناطقه يفضل ان يتولى الجيش قمعها من خلال مداهمات وتوقيفات ينأى الحزب بنفسه عنها أمام بيئته ويتحمّل وزرها الجيش.

لذا وبعد ان فرض سيادته على هذه المناطق، بدأ الحزب تكوين ثقافة خاصّة به وهي ترتكز على ايديولوجيا الثورة الاسلاميّة الايرانيّة والتعاليم الخمينيّة. بنى مجامع ومساجد وحسينيات ومستشفيات ومدارس ودور حضانة ومؤسسات اجتماعية وثقافيّة واقتصاديّة، كلّها تهدف الى تحويل المجتمع القاطن في هذه المناطق الى مجتمع اسلامي، عقائدي، عسكري، يؤمن بولاية الفقيه ويعشق فكرة الشهادة بحيث ساهمت عقلنتها بتبرير آلاف الموتى الذين سقطوا خلال مغامرات الحزب العسكريّة بلبنان وسوريا والمنطقة وجعل البيئة الحاضنة أكثر اصراراً وعزيمةً كل ما زاد عدد القتلى بدل ان يحدث العكس.

بعد ادلجة المجتمع بشكل ناجح، تفشى الحزب داخل كافة الأمور في هذه المناطق. فالمطاعم والمؤسّسات والشركات التجاريّة، تدفع ضرائب للحزب من اجل السماح لها بالعمل، والتجّار الكبار هم بضعة اشخاص يتحكّمون بمعظم الحركة الاقتصادية في مناطق الحزب وهم عموما موالون له.

اضافة الى ذلك، يستقطب الحزب المجاهدين منذ نعومة اظافرهم وغالباً ما يحدث ذلك على ابواب الجوامع حيث من المألوف ان يقف عنصر من الحزب ويعرض على الشباب الآتين للصلاة الانتساب الى الحزب بعد خضوعهم لدورات تؤهلهم للقتال في صفوفه. بعد اربعة عقود من التمرين والتعبئة المستمرة، أصبح الآلاف من الشباب الشيعي مدرّبين ومؤهّلين للقتال، وكثر هم مستعدّون للموت من اجل الدفاع عن الحزب وسلاحه.

بالخلاصة، حزب الله لا يحتلّ لبنان بالوكالة فالبيئة الشيعية بأغلبّيتها الساحقة تدعمه وتؤيده وتساهم بتطوير واستمرار مؤسساته وتستفيد منها. بعد اربعين عاماً من وجود حزب الله في هذه المناطق، استطاع فرض سيادته وبناء ثقافة غريبة عن النسيج اللبناني؛ ولكنها بنيت، واصبح من الصعب جداً التخلص منها. فحتّى لو سقط النظام الايراني يوم الغد، سوف يحتاج المجتمع الشيعي لاكثر من جيل لتطهير وعيه من رواسب الايديولوجيا الخمينيّة. وعليه، حان الوقت لاعتبار المناطق الخاضعة لحزب الله كالأطراف المصابة بالغرغرينا، اما ان نفكّ صلتنا بها لنخلّص نفسنا، أو نتورّط بالعلاقة معها الى ما شاء اللّه من اجل التمسّك بنظريّاتنا الرومنطيقيّة عن "لبنان الرسالة" وما شاكل، فنخسر وجودنا الى الأبد.