لبنان ، رسالة أم فرانكشتاين

داني فرِنّ

في عام 1818، أصدرت ماري شيلي روايتها الشهيرة " فرانكشتاين". في ذلك الوقت، كان هناك اهتمام متزايد بإمكانيّات العلم و التكنولوجيا لتغيير المجتمع. ومع ذلك، كان هناك أيضًا قلق بشأن الآثار الأخلاقيّة للتقدّم العلمي و دور الإنسانيّة في مواجهة قوّة العلم. تحكي الرواية قصّة فيكتور فرانكشتاين، عالم شاب أصبح مهووسًا بفكرة خلق الحياة، من خلال تجربة علميّة غير تقليديّة، لإنشاء مخلوق عاقل. اختار العالم أفضل الأجزاء من أجسام مختلفة وقام بتجميعها معًا من أجل تكوين كائن أقوى وأكثر كمالًا من أيّ فرد بشري.

نجح فيكتور بالإختبار وأبصر مخلوقه النور، غير أنّ الأخير لم يكن راضيًا عن تركيبته، فلم يتقبّله المجتمع وأصبح كائنًا تمتلكه المرارة، عنيفًا وساعيًا دومًا للإنتقام.

تشكّل لبنان الكبير في 1 أيلول 1920، عندما أصدرت فرنسا، التي مُنحت تفويضًا من عصبة الأمم لحكم المنطقة بعد الحرب العالميّة الأولى، مرسومًا بتأسيس دولة لبنان الكبير. تمّ تشكيل الدولة الجديدة من المحافظات العثمانيّة السابقة في وادي البقاع والجزء الجنوبي من سوريا، وشملت مساحة أكبر من منطقة متصرفيّة جبل لبنان الأصليّة، التي تأسّست عام 1861. جاء إنشاء لبنان الكبير نتيجة لعمليّة سياسيّة وتاريخيّة معقّدة.

لطالما كانت المنطقة موطنًا لمجموعات متنوّعة من السكان تشمل المسيحيّين الموارنة والمسلمين السنّة والشيعة والدروز وغيرهم. وفي أعقاب الحرب العالميّة الأولى رأت فرنسا فرصة لتأسيس دولة، واستخدمت سلطتها الانتدابيّة لإنشاء لبنان الكبير. كان القصد من الدولة الجديدة أن تكون كيانًا يهيمن عليه المسيحيون و مواليًا لفرنسا. ومع ذلك، أثار إنشاء لبنان الكبير احتجاجات ومقاومة من بعض المجتمعات الإسلاميّة، الذين شعروا بتجاهل حقوقهم ومصالحهم. كان إنشاء لبنان الكبير عمليّة خلافيّة ومثيرة للانقسام، ولا يزال موضوعًا للنقاش بين المؤرّخين والمحلّلين السياسيّين.

يتمّ تصوير لبنان أحيانًا على أنّه أكثر من وطن، هو فكرة، لا بل هو رسالة كما عبّر البابا يوحنا بولس الثاني. ولكن ما هو مضمون الرسالة؟ ربّ قائلٍ إنّ مضمون الرسالة هو التعايش بين المسيحيّين والمسلمين، وأن يكون هناك إحترام للحريّات والتعدديّة. ولكن 100 عام من التجربة أظهرت أنّ ثمن هذه الرسالة كان التوتّر السياسي والإنقسام الداخلي وصولاً إلى الحروب الأهليّة والدولة الفاشلة الحاليّة، ألا يُعدّ ثمن هذه الرسالة باهظًا على اللبنانيّين؟

لم يتّفق اللبنانيّون على فكرة الإنتداب وانقسموا حول عبد الناصر، والقضيّة الفلسطينيّة، والوجود السوري والآن حول الهيمنة الإيرانيّة.

أصبح لبنان بلدًا مريرًا، ففي كلّ بيت مأساة، ومال المغترب تبخّر، وتعويض المتقاعد فقد قيمته، والضمان الصحي لم يعد موجودًا، وشابّات وشباب هاجروا حتّى أصبحت البيوت خالية، طاعنون في السن مجبرون على العمل من جديد، وعائلات باتت مفكّكة… هذا ليس رسالة، إنّه وطن فرانكشتاين .