هشام بو ناصيف
حزب اللّه قوّة ستايتكو لأنّه المستفيد الأوّل منه. الفدراليّة مشروع تغيير. العلاقة بين التوجّهين علاقة نفي مزدوج : ربح الأوّل خسارة للثاني، والعكس. وبخلاف ما يفترضه المستقيلون من الواقع، لا يمكن أن تكون عين الرمّانة، مثلًا، مستقرّة ومزدهرة في "كانتون ذات سيادة"، بينما تزدحم الضاحية المجاورة بمخابئ السلاح. من أرسل هذا السلاح صوبنا أعطاه وظيفة، وهذه الوظيفة تتناقض مع مقتضيات استقرار لبنان بكلّ مناطقه و"كانتوناته". تاليًا، سحب السلاح هو الشرط الشارط لطرح مسألة النظام من ضمن موازين قوى جديدة تعطي التحوّل الفدرالي أقلّه فرصة. باستثناء أنّ الموازين الجديدة هذه، بما تفترضه من تحرّر لبنان من هيمنة الحزب عليه، لا تناسب المستقبل السياسي لجبران باسيل المرتبط عضويًّا بحليفه الوحيد، أي الحزب المذكور، واستطرادًا بالستاتيكو الحالي. دع عنك مسرحيّات شدّ العصب الموسميّة قبل الانتخابات: التبعيّة صارت عضويّة، والباسيليّة السياسيّة، إن صحّ التعبير، قوّة أنتي – سياديّة بامتياز؛ تاليًا، هي بالضرورة أنتي – فدراليّة.
أبعد من ذلك، كلّ نظام سياسي عندنا يغلّب مجموعة على أخرى آيل للسقوط، ومشروع شقاق بين اللبنانيّين. كان ذلك صحيحًا منذ كانت البلاد، ولو تغيّرت هويّة المعترض على النظام قبل الحرب الأهليّة وبعدها. وإن كنّا جديّين حقّا بالبحث عن طريقة جديدة لإدارة تنوّعنا، وحماية بلادنا من لعبة المحاور الاقليميّة، فينبغي التفتيش عن مشروح حلّ يتبنّاه الجميع ويقبله. هذا، بالمناسبة، ما يردّده الأستاذ أنطوان نجم على مسمعي منذ عقدين هي مدّة حظّي بالتلاقي معه: "لا تنشئوا ناديًا مسيحيًّا مقفلًا وتثرثروا بالفدراليّة؛ تكلّموا مع المسلمين". والحال أنّ الأستاذ أنطوان، في هذه المسألة، كما في مسائل كثيرة أخرى، مصيب. والحال أيضًا أنّ العونيّة لا تريد "التكلّم مع المسلمين"، لأنّ شرط بقائها على قيد الحياة شيطنة السنّة كي "تحمي" المسيحيّين منهم بالسلاح الشيعي. بمعنى آخر: الفدراليّة تمرّ بقدرتنا كلبنانيّين على اجتراح فهم لها يتّسع لبيئتها الأصليّة، ولبيئات أخرى هي أيضًا لبنانيّة، تبحث عن ضمانات، ومن حقّها الحصول عليها. هذا الشرط النفسي، إن صحّ التعبير، نقيض كلّ ما باتت العونيّة ترمز له، وكلّ ما رمز له حلفاؤها دومًا.
ثالثًا، الفدراليّة مشروع من أجل لبنان. العونيّة ضجيج مزعج من أجل السلطة. تفترض الفدراليّة وطنيّين يعملون من أجل تصوّر يرون فيه خير البلاد، بغضّ النظر عن الطموح الشخصي وحسابات السياسة السياسيّة. هنا أيضًا تلوح في البال صورة الأستاذ أنطوان، ولو أنّ الظروف التي أثبتت صواب وجهة نظره، عزّزت أيضًا حظوظ مشروع أفنى عمره من أجله. بالمقابل، تفرز العونيّة طامحين للظهور تتحكّم بهم حسابات النيابة والوزارة و"الوجاهة" السريعة على الطريقة اللبنانيّة البلهاء حقًّا. ليست المسألة فقط أنّ هؤلاء ضدّ مشروع الفدراليّة. المسألة أنّ هؤلاء ضدّ أيّ مشروع، نقطة. اللّهم إلّا إذا افترضنا أنّ عقود بناء السدود الفارغة، والتلزيمات، واستجرار الكهرباء من السفن التركيّة هي "مشاريع"، وهذه مسألة أخرى طبعًا.
لكلّ هذه الأسباب، ولأسباب أخرى تضيق بها هذه العجالة، الفدراليّة والعونيّة نقيضان لا يلتقيان. العوني الذي يمكن أن ينضمّ إلى مسيرتها ينبغي أن يكون عونيًّا سابقًا، وأيضًا، نادمًا. العوني الذي يأتيها مع الحفاظ على مسلّماته أخطر ما يمكن لهذه الفكرة أن تُبتلى به. ليس المهمّ لنا اليوم أن نتوسّع كهدف بذاته؛ المهمّ بالمقابل أن نطوّر مشروعًا صالحًا للبلاد، وقوّة هادفة وراءه، تضعه على الطاولة كمشروع حلّ متى سمحت ظروف بفتح مسألة النظام على مصراعيها. ومن يظنّ أن خرّيجي المدرسة العونيّة عضد من هذه الناحية، حبّذا لو يشغل وقته بشيء غير الشأن العام.