هشام بو ناصيف
لا فدراليّة ممكنة في ظلّ سلاح حزب اللّه، ومن لا يفهم هذا، لا يفهم شيئًا. أن تغيب هذه البديهيّة عن البعض دليل ارتباطات لهم مشبوهة، أو بؤس فكري خرافي، أو الاثنين معًا. الأمل من هؤلاء مقطوع – ولكن كلّنا ثقة أنّ المعطيات التالية لن تغيب عن أذهان الفدراليّين عمومًا:
1) كما كلّ التغيّرات الكبرى، تفترض الفدراليّة مؤتمرًا تأسيسيًّا ينقل البلاد من نظام إلى نظام. لا يمكن فصل نتائج المؤتمرات التأسيسيّة عن موازين القوى التي تحيط بها، وموازين القوى في لبنان مختلّة بالضرورة لمصلحة حزب اللّه ما بقي مسلّحًا. لو ذهبنا إلى مؤتمر تأسيسي اليوم، أو في أيّ يوم قبل نزع السلاح، نذهب لتوقيع صكّ الاستسلام النهائي وتسليم البلاد رسميًّا لحزب اللّه. من يضع الفدراليّة قبل السيادة يطالب عمليًّا بمؤتمر تأسيسي في ظلّ السلاح. تكرارًا: هذا إمّا مشبوه، أم واهم.
2) لماذا لا يريد حزب اللّه الفدراليّة؟ الجواب سهل: موازين القوى الحاليّة تسمح له بالسيطرة على كلّ لبنان، والتحرّك في كلّ المناطق. لماذا سيكتفي بالسيطرة على معاقله فقط، إن كان مسيطرًا على البلاد بأسرها؟ الحزب يتصرّف وفق منطق ما لي هو لي، وما لغيري لي أيضًا. من يظنّ أنّ الحزب مستعدّ للاكتفاء بـ"مناطقه"، على أن يعطي الآخرين "مناطقهم" يعيش على كوكب آخر.
3) استطرادًا للنقطة الثانية: الحزب جزء من محور إقليمي يصارع لاستكمال الهيمنة على العراق وسوريا واليمن. هذا المحور يبتلع بلدان بأسرها، ثمّ يجري تغييرات ديموغرافيّة فيها لتأبيد سيطرته عليها. إيران لا تريد ربع العراق، وثلث سوريا، وسدس اليمن أو لبنان، بل السيطرة الكاملة من حدودها الشرقيّة مع أفغانستان إلى المتوسّط. لا يمكن فصل ما يحصل في لبنان عمّا يحصل في الإقليم، ومن يظنّ أن إيران تتعامل بليبراليّة ولطف مع من تسيطر عليه، يعيش على مجرّة أخرى، لا كوكب آخر وحسب.
4) بخلاف ما يسوّق له جهلة يدّعون بالعلم معرفة، السياسة الخارجيّة في الدول الفدراليّة مركزيّة. الولايات المتّحدة، مثلًا، دولة فدراليّة. هل يوجد سفير لولاية كاليفورنيا في بيروت، أم سفيرة أميركيّة؟ هل يوجد سفير لبافاريا عندنا، أم لدولة ألمانيا الاتّحاديّة؟ لامارة رأس الخيمة، أم للامارات العربيّة المتّحدة؟ لماذا هؤلاء السفراء سفراء دول، لا ولايات؟ الجواب أنّ الولايات في الدول الفدراليّة لا تملك سيادة خاصّة بها، ولا، تاليًا، سياسة خارجيّة مستقلّة. كيف تحلّ الفدراليّة، والحال هذه، خلافنا مع سياسات حزب اللّه خارج الحدود، وجرّ لبنان إلى خيارات إقليميّة لا تناسبه؟ طرحنا هذا السؤال مرارًا على ودائع الحزب في الأوساط الفدراليّة، والأجوبة تراوحت بين نفي الهيمنة الإيرانيّة، أو التلويح بكذبة "الخطر السنّي"، أو الزعم أنّ ما يفعله حزب اللّه مجرّد "سرديّة" من السرديّات الموجودة بلبنان، أو سائر الهراء المماثل. للتذكير: أطلّ أحدهم منذ أشهر للزعم أنّ تركيا ترسل أسلحة لعكّار، وأنّ عكاّر ومناطق الشمال السنّي اقتربت من التحوّل إلى دولة مستقلّة. هذا الخبر من أساسه عار عن الصحّة، بيد أنّه ليس مجرّد خطأ بالتحليل: هناك من يتعمّد شيطنة السنّة في لبنان لحرف النظر عن علاقاته المشبوهة مع المصدر الحقيقي للخطر على بلادنا. لنقل، اختصارًا، أنّ المدرسة العونيّة وجدت لها موطئ قدم في الأوساط الفدراليّة. أمّا وأنّ هذه المدرسة تدمّر كلّ ما تلمسه، نحذّرالفدراليّين من تبعاتها على طرحهم لو استولت عليه.
(غدًا الحلقة الثانية بعنوان: لماذا العونيّة والفدراليّة نقيضان)