أنطونيو رزق - مسيحيّو لبنان بحاجة لأكثر من تقاطع أضداد

أنطونيو رزق

عند اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة، تجمّع القادة المسيحيّون، تحت مظلّة الجبهة اللبنانيّة، بهدف واضح وضوح الشمس: المحافظة على الوجود المسيحي الحرّ في لبنان. بعد أكثر من أربعة عقود على هذا الاتّحاد التاريخي، نشهد اجتماعاً مسيحيًّا اليوم على رفض وصول الوزير السابق سليمان فرنجيّة إلى سدّة الرئاسة. بيد أنّ ما بين الاتّحادين اختلافًا جوهريًّا يشي بعمق الأزمة السياسيّة الذي يعيشها  المكوّن المسيحي. ذلك أنّ الجبهة اللبنانيّة سمّت الأمور بأسمائها في خلوة سيّدة البير الشهيرة، ووضع مفكّروها أطر حلّ جدّي للمعضلة اللبنانيّة. أمّا اليوم، فالتقاطع التكتي (الضروري) بين القوى المسيحيّة على رفض فرنجيّة لا يلغي غياب أيّ تصوّر جدّي أو مشروع للحفاظ على ما بقي من وجود المسيحييّن في آخر معقل لهم في هذا المشرق الظالم.

من أبرز الأحداث التي تظهر أهميّة الرجالات التي سبق وشهدها المجتمع المسيحي، لا بدّ لنا من التوقّف عند ردّة فعل الرئيس الراحل كميل شمعون على حرب توحيد البندقيّة التي قادها الشيخ بشير الجميل بوجه ابن الرئيس شمعون وقائد الأحرار داني شمعون. خلال هذه الحرب، استطاع الشيخ بشير فرض سيطرته على مناطق نفوذ الأحرار الأساسيّة والقضاء على معظم قدراتهم العسكريّة. على إثر ذلك، وعوضًا عن النكد السياسي الذي اعتدنا عليه اليوم، قرّر الرئيس شمعون المحافظة على الوحدة المسيحيّة وعدم الانجرار إلى فتنة داخليّة في البيت المسيحي. تقبّل الرئيس شمعون حملة بشير العسكريّة على قوات ابنه حفاظًا على المصلحة المسيحيّة العليا التي تسمو فوق كلّ الحسابات الضيّقة.

الصورة مختلفة اليوم. هناك مثلا من بيّض صورة حزب السلاح أمام المكوّن المسيحي منذ 2005. دارت الأمور دورتها، وها هو الحزب يكشف مجدّدا عن وجهه الطائفي والاستعلائي، بمسألة الانتخابات الرئاسيّة. هل سيعتذر أصحاب نظريّة "حلف الأقليّات"، و"لبننة الحزب"، عن خداعهم المنظّم لمناصريهم منذ سنوات؟ من جهة ثانية، هناك من يتحدّث عن ضرورة تغيير التركيبة - وهذا جيّد ومطلوب - دون أن يقول لنا صراحة ما هو بديله  عن النظام الحالي. لماذا التردّد؟ وهل ننتظر حتّى يصبح آخر واحد من شعبنا في كندا وأستراليا كي نتحرّك؟ وبديلا عن الرماديّة والسياسات الصغيرة،  الحاجة ماسّة لتوحيد المكوّن المسيحيّ تحت إطار واضح المعالم يتضمّن المطالب المسيحيّة الملحّة والمبادئ الأساسيّة الّتي يجب أن ترعى العمل السياسي المسيحي في لبنان والّتي ينبغي أن تسمو فوق كلّ الاعتبارات الضيّقة.

أكرّر إنّ "تقاطع" المسيحيّين على رفض وصول مرشّح حزب الله للرئاسة أمر جيّد إنّما لا يزال بعيدًا جدًّا عن المطلوب. المجتمع المسيحي اليوم يحتاج إلى قيادات تشبه الرئيس شمعون والشيخ بشير جميل وسائر رجالات الجبهة اللبنانيّة. فصحيح أنّ قادة الكتائب والأحرار آنذاك تناحروا في الكثير من الأحيان على القيادة والزعامة والمراكز، إلّا أنّهم عندما استشعروا بالخطر الوجودي، تخلّوا عن مصالحهم الضيّقة وتوّحدوا من أجل القضيّة. اليوم، نحتاج لأكثر من تقاطع عابر. نحتاج لجبهة مسيحيّة تحمل مطالب المسيحيّين وعلى رأسها الحياد واللامركزيّة الإداريّة والماليّة الموّسعة بالحدّ الادنى. وبالتالي يجب أن تكون تلك المطالب بطليعة ما يجب أن يتعهّد بالسعي إليه أيّ مرشح يطمح في نيل الصوت المسيحي.