أنطونيو رزق - لماذا يحتاج لبنان إلى زيلينسكي محلّي؟

بعد مرور أكثر من عام على اقتحام الجيش الروسي لأوكرانيا، وبعد أن أرادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربًا خاطفةً على طريقة "البليتزكريغ" النازيّة، فاجأ الأوكرانيّون العالم بصمودهم لعام ونصف أمام آلة عسكريّة كانت تصنّف كثاني أقوى جيش عالميًّا. ولكن، ما هي مقوّمات هذا الصمود؟ وهل أنّ الدعم الغربي بالسلاح والعتاد هو السبب الوحيد وراءه؟ وما أهميّة الدور الذي يلعبه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هذا الصعيد؟

في الساعات الأولى من نهار ٢٢ شباط من العام الفائت، انخطفت الأنفاس حول العالم وسادت أجواء الترقّب. ما إن اقتحم الجيش الروسي أوكرانيا حتّى اهتزّ النظام العالمي الذي قام منذ انهيار الاتّحاد السوفياتي. توقّع المحلّلون في البداية أن تحسم الحرب لمصلحة روسيا في غضون أيّام أو أسابيع معدودة كحدّ أقصى. إلّا أنّ حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر. فعلى الرغم من قيام عدّة دول غربيّة، في الأيّام الأولى بعد الغزو الروسي، على الاتّصال بالرئيس الأوكراني والعرض عليه إخراجه من كييف، تفاجأ العالم برفض هذا الأخير الأمر رفضًا قاطعًا وبمطالبته بالسلاح عوضًا عن ذلك. ومنذ ذلك الحين، لا نشاهد الرئيس الأوكراني إلّا بثياب عسكريّة وهو يجوب كافّة أصقاع الأرض بحثًا عن دعم لجيشه ولقضيّته. تمكّن الأوكرانيّون، بفضل قيادة واثقة الخطوة، أن يعيقوا تقدّم الجيش الروسي وأن يظهروه بصورة الجيش المتوسّط القدرات والخبرات وأن يكسروا بالتالي الهيبة المصطنعة التي سعى الرئيس بوتين جاهدًا للحفاظ عليها على المسرح الدولي.

يعود الفضل في صمود الأوكرانيّين لقيادة حقيقيّة من طراز شيرشل، تأبى الاستسلام مهما كلّف الأمر. بعد انقضاء عام ونصف على بداية الحرب، وبعد سقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى وبعد تدمير معظم البنى التحتيّة الأوكرانيّة وتهجير السكّان، حاولت عدّة دول التوسّط من أجل حثّ أطراف النزاع على التحاور وإنهاء الحرب بتسوية. آخر تلك المحاولات جاءت بالأمس من خلال زيارة رؤساء أفارقة إلى كييف بنيّة الوصول إلى حلّ عن طريق المفاوضات بين موسكو وكييف. إلّا أنّ الرئيس زيلينسكي لا يزال يأبى أن يفرّط بحقّه وبقضيّته في مفاوضات مع طرف لا يُعوَّلْ على التزاماته. فأوضح الرئيس الأوكراني في مؤتمر صحافي مشترك أجراه أمس مع زوّاره أنّه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا "حاولت روسيا طويلًا أن تحتال على الجميع عبر اتّفاقات السلام الموقّعة في مينسك. من الواضح أنّ روسيا تحاول مجدّدًا استخدام تكتيكها القديم القائم على الغشّ. لكن روسيا لن تنجح بعد اليوم في الاحتيال على العالم. لن نمنحها فرصة ثانية."

صحيح أنّ الدعم الغربي بالسلاح والاستخبارات والخبرات يلعب دورًا مفصليًّا في الصمود الأوكراني. ولكن ما هو صحيح أيضًا أنّ صمود الأوكرانيّين لم يكن ممكنًا لولا وجود إرادة أوكرانيّة جبّارة على مقاومة الروس وعلى الحفاظ على استقلال بلدهم، تتجسّد بالقيادة الحكيمة صاحبة الموقف الصلب، وبجنود أبطال يواجهون البطش البوتيني ويحملون الشرّ بحمله ويجزونه بمثله. لا نعلم كيف ستنتهي الحرب الأوكرانيّة-الروسيّة ولكن ما هو محسوم يبقى بطولة الرئيس زيلينسكي وجيشه وشعبه وإرادتهم الصلبة التي لا تُطوَّع من أجل أحد.

أمّا نحن في لبنان، البلد الّذي بني على تسويات واستمرّ مئة عام على التسويات، فإلى متى نبقى على اسطوانة ضرورة الحوار مع جلّادنا لإنتاج رئيس يكون مطواعًا عند الحاج وفيق صفا؟ ألم نكتف من الحوارات العقيمة الهزليّة التي لا تنتج سوى مزيد من القوّة والشرعيّة لحزب الله؟ ألا يوجد زيلينسكي واحد بين من يدّعي تمثيل مصالح الشعب؟ حان وقت الحلول الجذريّة، فليأت حزب الله برئيس لمناطقه ويحتفل به إلى ما شاء الله، أمّا الآخرون فعليهم التمتّع بقليل من الجرأة الزيلينسكيّة واتّخاذ قرار قيام منطقة حرّة مع من يرضى بتطبيق القرارات الدوليّة بشأن حلّ الميليشيات وليكن وما يكون. فاذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، سيتحوّل لبنان بكامله بشكل او بآخر إلى مقاطعة إيرانيّة يحكمها الولي الفقيه بواسطة أدواته اللبنانيّين.