فؤاد مطران
الشعارات في الحياة السياسيّة ضروريّة، فهي تساعد الأحزاب على اختصار مشاريع معقّدة وإيصالها بسهولة إلى أذهان العامة. لكنّها قد ترتدّ سلبًا على أصحابها إذا كانت شعارات مبهمة غامضة غير قادرة على بلورة خطّة واضحة. فتحديد الأهداف يجب أن يسبق إطلاق الشعارات، لكي تتمكّن هذه الأخيرة من تحقيق أهدافها عوض أن تصبح مادّة فارغة تستخدم من قبل من لا يملك أيّ طرح فعلي.
هذه الإشكاليّة تواجه أصحاب شعار "الحلّ بالانتخابات" أو "الانتخابات هي الحلّ" والمشتقّات الأخرى لهذا الشعار التي تصبّ في السياق عينه. وهذا شعار تحمله بشكل أساسي القوى السياديّة والقوى التغييريّة.
فحين يتكلّم هؤلاء عن "الحلّ"، فهم يقصدون ماذا تحديدًا؟ ما هو تعريفهم للحلّ؟ هل الانتخابات حلّ للمشكلة الاقتصاديّة؟ هل هي حلّ لسلاح حزب الله؟ هل هي حلّ خلاصي لكافة المشاكل التي يعاني منها لبنان؟
فقد دأب هؤلاء على ترداد هذا الشعار منذ مدة، لكنّهم يحجمون عن تحديد المشاكل التي بإمكان الانتخابات النيابيّة حلّها بشكل مفصّل. فالقول مثلًا إنّ فوز فئة معيّنة سيؤدي إلى تحسّن في سعر صرف الليرة اللبنانية لا يمكن اعتباره سوى طرح عاطفي لتشجيع الناس على التصويت. فالأجدى الابتعاد عن مخاطبة العاطفة، والتمكّن من التوجّه للناس بشكل عقلاني لتحديد الأمور الّتي يمكن للانتخابات أن تكون حلًّا لها.
وهنا لا بدّ لهذه القوى أن تعترف بـ"لاديموقراطيّة" الواقع اللبناني. وانطلاقًا منه، يجب الاعتراف أنّ الانتخابات اللبنانيّة لا ترتكز على القرار الحرّ للمواطن في اختيار الأحزاب والمرشّحين السياسيّين. وبالتالي الحذر ضروريّ قبل تجديد شرعيّة الحزب المسلّح غير الشرعي.
فالإصرار على إنكار الواقع، وتصوير الانتخابات في لبنان على أنّها مجرّد عمليّة اقناع للجمهور كتلك التي تجري في سويسرا، يدفع إلى التساؤل حول النية الفعليّة لهؤلاء المتحمّسين.
أما بعد تحديد الأهداف المرجوة من هذه الانتخابات، لا بدّ من تفصيل المسار الذي ستخاض على أساسه هذه المعركة غير المتوازنة. بمعنى آخر كيف ستخاض الانتخابات وكيف سيتمّ التعامل مع نتائجها والاستحقاقات التي تليها؟ إنه سؤال مفصلي لمعرفة ما إذا كانت فعلًا هذه الانتخابات تشكّل حلًّا جديًّا.
فقد أصبح من الضروري الإعلان عن التحالفات. فالجميع حتى الآن يقول إنّه سيتحالف مع من يشبهه. لكنّنا لم نرَ إلّا تحالفات مع من لا يشبهونهم. ألم يحن الوقت لتوضيح هذه التحالفات بين الأفرقاء السياديّين؟
ونصل أخيرًا للشق الأهمّ: ماذا عن مرحلة ما بعد الانتخابات؟ سنكون حينها أمام سيناريوهات كثيرة، فكيف سيترجم الشعار على أرض الواقع؟
فالسيناريو الأول، وليس الأكثر ترجيحًا، هو أن تنال القوى المعارضة أكثريّة المجلس النيابي. هل ستتجرّأ على قطع الطريق على نبيه بري للوصول إلى رئاسة المجلس؟ كيف ستتخطّى عوائق تعطيل جلسات المجلس النيابي واستشارات تسمية رئيس وزراء جديد تحت حجج الميثاقيّة؟ هل سترفض حكومات الوحدة الوطنيّة والإصرار على حكومة أكثريّة؟ كيف ستواجه تحريك حزب الله لشارعه لفرض رغباته؟
أما السيناريو الثاني، فهو أن تنال القوى المعارضة أكثريّة مسيحيّة، وهو ما يعتبره البعض هدفًا تسعى إليه بمعزل عن الأكثريّة النيابيّة بشكل عام. لكن كيف ستتمكّن من تغيير الواقع مع هذه الأكثريّة المسيحيّة؟ هل ستطالب بالمشاركة مع حزب الله في الحكومات من خلال نيل الحصّة المسيحيّة، وبالتالي نكون قد عدنا للعنة حكومات الوحدة الوطنية؟ أم ستلجأ للتعطيل للضغط عليه، علمًا أنّه لا يبالي بتعطيل حكوماته؟ ولنفترض أنّها تمكّنت من إيصال رئيس من صفوفها، ماذا يستطيع أن يفعل سوى تعطيل بعض القرارات كما يفعل ميشال عون اليوم؟ ومن بإمكانه تحمّل سياسات التعطيل؟
وصولًا إلى السيناريو الثالث: عدم نيل القوى المعارضة اليوم أكثريّة نيابيّة أو مسيحيّة. هل سنلوم شعبًا انتخب في ظلّ نظام غير ديموقراطي وقوانين انتخابيّة فصلت لتعطي الأكثريّة لحزب الله وضغط السلاح والقمع والتهديد والفقر؟ هل سنقول له تحمّل 4 سنوات إضافيّة من المجاعة لنعيد المحاولة في العام 2026؟ هل سنعترف بشرعيّة المحتلّ؟
ولا يجب إغفال سيناريو رابع، يتمثّل بعدم إجراء الانتخابات أو تعطيلها أو تأجيلها. وهنا أيضًا يجب توضيح كيفيّة التعامل مع هذا الأمر.
أعتذر إن طالت لائحة الأسئلة، لكنّ اللوم لا يقع سوى على من يريد إقحام الناس في انتخابات غير ديموقراطية قد تجدّد شرعيّة قوى السلاح، من دون أي مسار طريق واضح.