داني فرنّ - مخاطر الماضويّة واحتضان مستقبل فدرالي جديد

يعاني لبنان ، المعروف بتاريخه الثري وتنوّعه الثقافي، حاليًّا من أزمة عميقة الجذور، تتّسم بالانقسامات السياسيّة وعدم الاستقرار الاقتصادي والاضطّرابات الاجتماعيّة. في أوقات الاضطرابات، قد يتوق البعض إلى العودة إلى الماضي المثالي ، على أمل إحياء "الأيّام الخوالي". ومع ذلك ، واستلهامًا من كلمات المؤرّخ أرنولد توينبي الذي عبر من خلال دراسته لصعود وأفول الحضارات أنّ الإنشقاقات العميقة في المجتمعات وفي روحها لا يمكن علاجها من خلال الماضويّة ومن خلال العودة إلى أيّام عفا عنها الزمن. يتّضح أنّ الانقسام اللبناني لا يمكن حلّه بالرجوع إلى أفكار قديمة. بدلًا من ذلك، يتطلّب الأمر ولادة جديدة و قفزة جريئة نحو نظام سياسي جديد مثل الفدراليّة، نظام يحترم التعدديّة والحكم المشترك والتقدّم المستدام .

النسيج الاجتماعي المعقّد في لبنان هو نسيج منسوج بخيوط دينيّة وعرقيّة وسياسيّة متنوّعة. على مرّ السنين، تسبّبت الصراعات على السلطة والتوتّرات الطائفيّة والتأثيرات الخارجيّة في حدوث انقسامات داخل روح الأمّة. يجد اللبنانيّون أنفسهم ممزّقين بين عظمة الماضي وفوضى الحاضر، مع دعوات العودة إلى نسخة مثاليّة من الماضي ترنّ بصوت أعلى في بعض الأوساط. ومع ذلك ، تذكّرنا حكمة توينبي بأنّ الحنين وحده لن يعالج التصدّعات العميقة داخل البلد. عبث النظر إلى الوراء. إنّ فكرة العودة إلى الحالة القديمة الرومانسية غير عمليّة وغير فعّالة. قد يقدّم ماضي لبنان القديم ذكريات جميلة، لكنّ محاولة تكراره تفشل في مواجهة التحدّيات الحاليّة. لقد تطوّر العالم، وتغيّرت الحقائق الجيوسياسيّة للبنان بشكل كبير منذ ذروته التاريخيّة.

لتعزيز التقدّم الهادف ، يجب على اللبنانيّين أن يركّزوا على الحلول المبتكرة الّتي تستوعب التركيبة السكانيّة المتنوّعة.

تقدّم الفدراليّة بديلًا مقنعًا لدولة لبنان الممزّقة، ويمكنها أن توفّر طريقًا نحو دولة أكثر تماسكًا. في النظام الفدرالي ، يمكن للمناطق والمجتمعات أن تتمتّع بسيطرة أكبر على شؤونها المحليّة، ما يعزّز الشعور بالملكيّة والتمكين. يمكن أن يساعد هذا النظام في تخفيف التوتّرات الطائفيّة وتمكين المجموعات المتنوّعة من التعاون في ظلّ رؤية مشتركة لمستقبل الوطن.

تعزّز الفدراليّة الحوكمة المشتركة، حيث يتمّ توزيع السلطة أفقيًّا بدلًا من رأسيًّا. في حالة لبنان، قد يعني هذا إنشاء مجالس إقليميّة مع تمثيل من مختلف الجماعات الدينيّة والعرقيّة. ويمكن أن يؤدّي هذا التعاون إلى اتّخاذ قرارات تعاونيّة، وتشجيع الحوار وبناء توافق الآراء بين المجتمعات ذات الاهتمامات المختلفة.

تتطلّب الاضطّرابات الاقتصاديّة الحاليّة في لبنان حلولًا جديدة . يمكن للنظام الفدرالي أن يحفّز التنمية الإقليميّة ، ويشجّع الاستثمار في الصناعات والبنية التحتيّة المحليّة. يمكن لكلّ منطقة الاستفادة من قوّتها والمساهمة في النمو الإجمالي للوطن. علاوة على ذلك ، يمكن إدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة، ما يقلّل الفوارق ويعزّز الإحساس بالتوزيع.

يقول أرنولد توينبي إنّ "الحضارات تموت من خلال الانتحار لا القتل" فماذا سيكون خيار اللبنانيّين؟ الإنتحار أم الولادة الجديدة؟